للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذوي الأعذار يؤلمهم التخلف عن الغزو حتى يضطرّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يتخلّف معهم جبرًا لخاطرهم، ويرسل سراياه وبعوثه بعد أن ينظمها ويزودها بما تحتاجه ولا يخرج معهم. روى مالك والشيخان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سَبِيلِ الله أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو في سَبِيلِ الله فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ". (١)

المظهر الرابع: ذلك النجاح الباهر الذي أحرزه القرآن في هداية العالم. فقد وجد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنبياء ومصلحون، وعلماء ومشترعون، وفلاسفة وأخلاقيون، وحكام ومتحكمون، فما تسنّى لأحد من هؤلاء، بل ما تسنى لجميعهم أن يحدثوا مثل هذه النهضة الرائعة التي أحدثها محمد - صلى الله عليه وسلم - في العقائد والأخلاق، وفي العبادات والمعاملات، وفي السياسة والإدارة، وفي كافة نواحي الإصلاح الإنساني. وما كان لمحمد ولا لألف رجل غير محمد أن يأتوا بمثل هذا الدستور الصالح الذي أحيا موات الأمة العربية في أقل من عشرين سنة، ثم نفخ فيهم من روحه فهبّوا بعد وفاته ينقذون العالم؛ ففتحوا ملك كسر وقيصر، ووضعوا رِجلًا في الشرق ورِجلًا في الغرب، وخفقت رايتهم على نصف المعمور في أقل من قرن ونصف قرن من الزمان. (٢)

[الوجه الثالث والعشرون: القرآن معجزة متجددة]

إن إحدى أهم أوجه إعجاز القرآن الكريم، أن معجزته متجددة وعجائبه لا تنقضي، فالقرآن معجزة باقية على طول الزمان من حين جاء به الرسول تُتْلى آيات التحدّي به، ويُتلى قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: ٣٤]، و {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} [هود: ١٣]، {بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس: ٣٨].


(١) رواه البخاري (٢٦٤٤)، ومسلم (٤٩٧٦)، ومالك في الموطأ من رواية الليثي (٩٩٥).
(٢) مناهل العرفان ٢/ ٤٣٦: ٤٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>