للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع زوجته، ولكن إذا رمت المرأة زوجها بالزنا فالراجح أنها لا تلاعنه؛ إذ من أسباب الملاعنة: نفي الولد، وهذا شيء لا يتعلق بالمرأة بل تأتي بالشهود أو يقام عليها الحد. (١)

[الوجه الرابع: لماذا تقع الملاعنة بين الزوجين دون غيرهما؟]

قال الفخر الرازي: إنما اعتبر الشرع اللعان في الزوجات دون الأجنبيات لوجهين:

أ- أنه لا معرّة على الرجل في زنا الأجنبية والأولى له سترهُ، أما زنا الزوجة فيلحقه العار والنسب الفاسد فلا يمكنه الصبر عليه.

ب - إن الغالب المتعارف من أحوال الرجل مع امرأته أنه لا يقصدها بالقذف إلا عن حقيقة، فإذا رماها فنفس الرمي يشهد بكونه صادقًا إلا أن شهادة الحال ليست بكاملة فضم إليها ما يقويها من الإيمان. (٢)

وقال السعدي: وإنما كانت شهادات الزوج على زوجته دارئة عنه الحد؛ لأن الغالب أن الزوج لا يقدم على رمي زوجته التي يدنسه ما يدنسها إلا إذا كان صادقًا، ولأن له في ذلك حقًا وخوفًا من إلحاق أولاد ليسوا منه به، ولغير ذلك من الحِكم المفقودة في غيره فقال: نهى شيء، ولا يبدل شيء بشيء، وأن اللعان مختص بالزوج إذا رمى امرأته، لا بالعكس، وأن الشبه في الولد مع اللعان لا عبرة به، كما لا يعتبر مع الفراش، وإنما يعتبر الشبه جث لا مرجح إلا هو (٣).

[الوجه الخامس: الحكمة من نزول آيات اللعان.]

وهذه الآياتِ فيها رحمة من اللَّه تبارك وتعالى بعباده؛ لأن النساء يختلفن في العفة والبُعد عن الوقوع في الفاحشة، فلو أن اللَّه تبارك وتعالى أوقف الزوج بين الخيارات الثلاثة: بين أن يَقْتُل فيُقْتَل، وبين أن يسكت على الغيظ، وبين أن يقذف فيُجْلَد الحد، والعياذ باللَّه! لكان في ذلك من البلاء ما لا يعلمه إلا اللَّه، فنزلت هذه الآياتِ رحمة من اللَّه بعباده، ولطفًا من اللَّه


(١) سلسلة التفسير للعدوي (٣٣/ ٧).
(٢) تفسير الرازي (١١/ ٢٥٩).
(٣) تفسير السعدي (٥٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>