للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلان عملت البارحة كذا وكذا بات يستره ربه ويصبح يكشف ستره" (١)، وقال: "من ابتلى من هذه القاذورة بشيء فليستتر بستر اللَّه فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب اللَّه" (٢).

ثالثًا: زجرًا للعاصي وتضييقًا عليه.

فالعاصي الذي يجاهر بالمعصية في أوساط الناس، كما هو واضح في أوساط الذين يتقممون الرذيلة ويحبون شيوع الفاحشة باسم الحرية، ينزجر عندما يعلم أن الشهود أربعة وليس أكثر من ذلك كأن يكون خمسة أو سبعة حتى لا يكون الإفراط، والإسلام لا يعاقب إلا المتبجحين والمتجرئين على فعل الفاحشة، وحتى لا تكون المجاهرة بالمعصية أمام الناس وحفاظًا على المجتمع من شيوع الفاحشة فيه، فلا إفراط ولا تفريط.

رابعًا: تعظيم حرمة المسلم.

قال السعدي: في قوله تعالى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم اللَّه، لأن اللَّه حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود، ولهذا قال: {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} ولم يقل "فأولئك هم الكاذبون" وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق (٣).

فيستهدف الإسلام حماية أعراض الناس، والمحافظة على سمعتهم، وصيانة كرامتهم، وهو لهذا يقطع ألسنة السوء ويسد الباب على الذين يلتمسون للبرآء العيب، فيمنع ضعاف النفوس من أن يجرحوا مشاعر الناس ويغلوا في أعراضهم، ويحظر أشد الحظر إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا حتى تتطهر الحياة من سريان هذا الشر فيها، فهو يحرم القذف تحريمًا قاطعًا، ويجعله كبيرة من كبائر الإثم والفواحش، ويوجب على القاذف ثمانين جلدة -رجلًا كان أو


(١) أخرجه البخاري (٥٧٢١)، ومسلم (٢٩٩٠).
(٢) الاستقامة (١/ ٤٥٣، ٤٥٢، ٤٥١)، والحديث عند الحاكم ٤/ ٢٧٢، وصححه الألباني في الصحيحة (٦٦٣).
(٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي (النور/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>