هذه الرواية بقريب من تمامها، والحكم عليها في فصل مقتل حجر بن عدي الكندي -رضي الله عنه- وأما ما سوى هذه الرواية، فهي شبهات واهية، ليس فيها أي دليل على الدعوى.
الوجه الثاني: أن صحبة معاوية وفضله وسيرته مع الرعية ومع أهل البيت بصفة خاصة واعترافه بفضل علي يدل على استحالة ذلك، وقد سبق في الفصل الأول بيان فضله وثناء العلماء عليه فكيف يقولون فيه بهذا الثناء وهو يلعن أمير المؤمنين وابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ! إن هذا لو حدث لكان رضا منهم بذلك، وما أثر عنهم يدل على العكس فثبت أن ثناءهم عليه دليل على بطلان ما نسب إليه من لعن علي -رضي الله عنه-، ثم كيف يسمح معاوية -رضي الله عنه- بذلك؟ ! وهو الذي لم يصح عنه أبدًا أنه سبّ عليًّا أو لعنه مرة واحدة، فضلًا عن التشهير به على المنابر! ! .. وقد علق ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية (٧/ ٢٨٤) على قصة لعن علي -رضي الله عنه- على المنابر بعد القنوت، بقوله: ولا يصح هذا. والصحابة -رضي الله عنهم- كانوا أكثر حرصًا من غيرهم على التقيّد بأوامر الشارع الذي نهى عن سباب المسلم ولعنه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لعن مؤمنًا فهو كقتله"(١).
[* دفع إشكال عن روايتين ربما تمسك بهما أصجاب هذه الدعاوى.]
الأولى: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدًا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثًا قالهن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول له لما خلفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله، خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي عليًّا، فأتي به أرمد فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا