للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى قول الجمهور بأن المراد بقوله (نُنْسِهَا) النسيان الذي هو ضد الذكر، فالذي نسيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو بقدر الله - عز وجل - قال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٦، ٧].

قال الطبري: بل إنما ذهب بما لا حاجة بهم إليه منه، وذلك أن ما نسخ منه فلا حاجة بالعباد إليه، وقد قال الله تعالى ذكره: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٦، ٧]، فأخبر أنه ينسي نبيه منه ما شاء. فالذي ذهب منه الذي استثناه الله (١).

[الشبهة الخامسة عشر: يقولون بأن النسخ يوجد في القرآن بكثرة وهذا يدل على عدم الحفظ.]

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: عند التحقيق النسخ قليل جدًا في القرآن.

قال السيوطي: الضرب الثاني: ما نسخ حكمه دون تلاوته، وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وهو على الحقيقة قليل جدًا، وإن أكثر الناس من تعديد الآيات فيه فإن المحققين منهم كالقاضي أبي بكر بن العربي بين ذلك وأتقنه.

والذي أقوله: إن الذي أورده المكثرون أقسام: قسم ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص ولا له علاقة بهما بوجه من الوجوه، وذلك مثل قوله تعالى {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}، ونحو ذلك، قالوا: إنه منسوخ بآية الزكاة، وليس كذلك هو باق، أما الأولى فإنها خبر في معرض الثناء عليهم بالإنفاق، وذلك يصلح أن يفسر بالزكاة على الأهل وبالإنفاق في الأمور المندوبة كالإعانة والإضافة، وليس في الآية ما يدل على أنها نفقة واجبة غير الزكاة، والآية الثانية يصلح حملها على الزكاة وقد فسرت بذلك.

وكذا قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨)} [التين: ٨]، قيل: إنها مما نسخ بآية السيف، وليس كذلك؛ لأنه تعالى أحكم الحاكمين أبدًا، لا يقبل هذا الكلام النسخ وإن


(١) جامع البيان (١/ ٤٧٩)، ويراجع في ذلك بحث حول نسيان النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الموسوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>