للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الخامس عشر: يثبت أنه لا فرق بين عيسى وبين غيره من الأنبياء في نبوته: قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)} (البقرة: ١٣٦)، ووجه الدلالة من الآية أن عيسى عليه السلام معدود ضمن الأنبياء الذين بعثهم الله للناس. فأما قوله: {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى}، يعني: وآمنا أيضًا بالتوراة التي آتاها الله موسى، وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى، والكتب التي آتى النبيين كلهم، وأقرَرنا وصدَّقنا أن ذلك كله حَق وهُدى ونور من عند الله، وأن جَميع من ذكر الله من أنبيائه كانوا على حق وهدى، يُصدِّق بعضهم بعضًا، على منهاج واحد في الدعاء إلى توحيد الله، والعمل بطاعته. (١) ولكون أهل الكتاب زادوا ونقصوا وحرفوا فيهما وادعوا أنهما أنزلا كذلك، والمؤمنون ينكرونه؛ اهتم بشأنهما فأفردهما بالذكر، وبين طريق الإيمان بهما، ولم يدرجهما في الموصول السابق؛ ولأن أمرهما أيضًا بالنسبة إلى موسى وعيسى أنهما منزلان عليهما حقيقة، لا باعتبار التعبد فقط كما في المنزل على إسحق ويعقوب والأسباط، ولم يعد الموصول لذلك في عيسى لعدم نحالفة شريعته لشريعة موسى إلا في النزر، ولذلك الاهتمام عبر بالإيتاء دون الإنزال، لأنه أبلغ لكونه المقصود منه، ولما فيه من الدلالة على الإعطاء الذي فيه شبه التمليك والتفويض، ولهذا يقال: أنزلت الدلو في البئر، ولا تقول: آتيتها إياها، ولك أن تقول: المراد بالموصول هنا ما هو أعم من التوراة والإنجيل، وسائر المعجزات الظاهرة بأيدي هذين النبيين الجليلين حسبما فصل في التنزيل الجليل، وإيثار الإيتاء لهذا التعميم، وتخصيص النبيين بالذكر لما أن الكلام مع اليهود والنصارى. (٢)

وقوله: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} دلالة على أن عطية الدين، هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية. لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال


(١) تفسير الطبري ١/ ٦١٨.
(٢) تفسير الآلوسي ١/ ٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>