للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجال والنساء، فصار الحجاب على نساء المؤمنين من باب أولى من فرضه على أمهات المؤمنين وهن الطاهرات المبرآت من كل عيب ونقيصة.

ثانيًا: يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع أن يقوم بالاهتمام بزوجاته جميعًا في آن واحد؛ فلا بد أن يحصل ما لا يحمد عقباه.

ونقول: إن هذا الادِّعاء والافتراء مبني على الادعاء السابق؛ وهو أن هذا الكلام من الله - عز وجل - لصحابته وزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على تصرفات لا تليق - زعموا - وقد أبطلنا هذا الادعاء، والحمد لله، وما بُني على باطل فهو باطل، فنرد على هذه الفرية بما رددنا به على الفرية الأولى، ونزيد الأمر وضوحًا بأن نبين اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بزوجاته، وكيف كان يعيش معهن ويشاورهن في الأمور العضال؟ وكيف كان في خدمة أهله - صلى الله عليه وسلم -؟ إن نبينا - صلى الله عليه وسلم - مثال للزوج الذي يقوم على شئون أكثر من زوجة في آنٍ واحد، وحسبه أنه مؤيد من عند ربه - عز وجل -.

فعن عائشة سُئلت: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي: خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ (١).

قال ابن حجر: وفيه الترغيب في التواضع، وترك التكبر، وخدمة الرجلِ أهلَه (٢).

وعن عائشة أنها سُئلت: ما كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، ويَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ما يَعْمَلُ الرجال في بيوتهم (٣).

قَالَ اِبْن بَطَّال: مِنْ أَخْلَاق الْأَنْبِيَاء التَّوَاضُع، وَالْبُعْد عَنْ التَّنَعُّم، وَامْتِهَان النَّفْس لِيُسْتَنّ بِهِمْ، وَلِئَلَّا يَخْلُدُوا إِلَى الرَّفَاهِيَة الْمَذْمُومَة، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى ذَمّهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١)} (٤).

ولا يخفى حديث أم زرع الذي أورده البخاري تحت [باب حسن المعاشرة مع الأهل (٥)]، والذي قصت فيه حديث عائشة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قصة إحدى عشرة امرأة مع


(١) أخرجه البخاري (٦٧٦).
(٢) فتح الباري (٢/ ١٩١).
(٣) مسند أحمد (٦/ ١٢١).
(٤) فتح الباري (١٠/ ٥٢٠)، وإسناده صحيح إلى عائشة.
(٥) أخرجه البخاري (٥١٨٩)، مسلم (٢٤٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>