للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم: الصبر في البلاء يكون بملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج، وتهوين البلية بعد أيادي المنن، وبذكر سوالف النعم، ثم قال: وأجمع عقلاء الأمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من رافق الراحة فارق الراحة، وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإن قدر التعب تكون الراحة". (١)

أما عن المفسد الذي يكون سببًا في هذه الفتنة، فسينال جزاءه - قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} [الزلزلة: ٧، ٨].

الوجه الثامن: إن الله تعالى قد ينزل الموت والفقر والعمى والزمانة بعبده ابتداء، إما لأنه يَحْسُن منه تعالى ذلك بحكم المالكية: (٢)

قال رب العالمين في كتابه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ٢٦].

قال الطبري: يعني بذلك: يا الله، يا مالك الملك، يا من له ملك الدنيا والآخرة خالصًا دون غيره، تعز من تشاء بإعطائه الملك والسلطان وبسط القدرة له، وتذل من تشاء بسلبك ملكه وتسليط عدو عليه، {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} وأي: كل ذلك بيدك وإليك، لا يقدر على ذلك أحد؛ لأنك على كل شيء قدير دون سائر خلقك ودون من اتخذه المشركون من أهل الكتاب والأميين من العرب إلهًا، وربًا يعبدونه من دونك، كالمسيح والأنداد التي اتخذها الأُمِّيون ربًا (٣).

قال الفخر الرازي: أما قوله {وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ}، فقال الجبائي في تفسيره: إنه تعالى إنما يذل أعداءه في الدنيا والآخرة، ولا يذل أحدًا من أوليائه، وإن أفقرهم وأمرضهم وأحوجهم إلى غيرهم؛ لأنه تعالى إنما يفعل هذه الأشياء ليعزهم في الآخرة؛ إما بالثواب


(١) مدارج السالكين (٢/ ١٦٦).
(٢) تفسير الرازي (٨/ ٨).
(٣) ذكره الطبري (٣/ ٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>