التناسق الداخلي شرط لا يختلف العقلاء على لزوم اشتراطه في توثيق نسبة أي كتاب إلى الله عز وجل، فالكتاب الذي يكذِّب بعضه بعضًا، لا يمكن اعتباره كتابًا مقدسًا، كما لا يمكن اعتبار بقيته مقدسًا، إذ وجود الكذب في بعضه يطرح الشك في مصدره الكاذب {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} (النساء: ٨٢).
ولوجود التناقضات في الكتاب المقدس دلالات كثيرة أهمها: أنه يثبت أن هذه الأسفار بشرية في مصدرها، فقد وقع كُتّابها فيما يقع فيه البشر الضعفاء الذين يتوقع منهم الجهل، ولو كانت هذه الأسفار ملهمة من قبل الله لما خالف كُتابها بعضَهم فيما أوردوه من معلومات تاريخية وغيرها.
ووقوع الخطأ من أحد المتناقضين من كُتَّاب التوراة في قضايا بسيطة يسهل حفظها والتمكن منها يشير إلى إمكانية بل تحقق وقوع مثله في المسائل اللاهوتية والغيبية التي تحتاج إلى مزيد من العناية والتدقيق.
وهذه التناقضات التي نسوقها، معظمها توصلنا إليه من خلال دراسة أجزاء تم إعادة كتابتها ثانية من قبل كتاب الأسفار، ولو كتبت بقية الأجزاء ثانية لوقفنا على تناقضات تطال كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الذي يدعي البعض أنه مقدس. (١)
أولًا: في العهد القديم
[أنواع التناقضات الواردة في العهد القديم]
التناقضات التوراتية كثيرة، ومنها ما هو متعلق باصول المعتقد، ومنها ما هو متعلق بصفات الله عز وجل، فالأسفار التوراتية تصف الله بالصفة ونقيضها.
أولًا: المتعلق بصفات الله عز وجل
١ - وتحدثنا التوراة عن الله العظيم العليم، فتذكر أنه ليس كمثل البشر وضعفهم، فهو لا يندم ولا يكذب، فتقول: "١٩ لَيْسَ الله إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلَا ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلَا يَفْعَلُ؟ أَوْ