إن الصراع بين الحق والباطل سنة ربانية جارية كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (٣١)} [الفرقان: ٣١].
فالأنبياء وهم أكرم الخلق وأعدل الخلق وُجدَ لهم أعداء ومضادون، يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق.
وقد أمر الله المؤمنين بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله، وتضعف شوكة الباطل وتنكسر، وحتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦)} [النساء: ٧٦]. ففي هذه الآية وآية سورة الفرقان التي ذكرناها قبل إشارة إلى ضعف الباطل وأهله إذا قام أهل الحق بواجبهم في مدافعتهم وقتالهم، لأن الله مع الذين اتقوا. فقوله في الآية الأولى:{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} وفي الآية الثانية: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} إشارة إلى ضعف كيد الشيطان الذي يتولاه الكفار والمشركون، فإذا كان وليهم ضعيفًا فهم أضعف وأذل، وهذا يعطي المؤمن قوة على العمل بما أوجبه الله عليه من مدافعة الباطل وأهله، كما يعطيه ثقة في نصر الله له، ومن ثم يعتز بدينه ويتمسك به، وهذا هو الذي قام به الصحابة - رضي الله عنهم - في العهد المكي، فقد وقع عليهم الاضطهاد الشديد من المشركين في مكة، ولم يكن بمقدورهم المواجهة العسكرية ولم يؤمروا بالجهاد بعد، وإنما أمروا بالصبر والتحمل، فصبروا - رضي الله عنهم - وتحملوا تلك المرحلة، ولكن مع الصبر والتحمل كانوا يسعون لإزالة هذا الواقع وعدم استمراره، فجاءت الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم ذهابه - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف، ثم العرض على القبائل في المواسم، كلها بحث عن مخرج من ذلك الواقع حتى قيض الله طائفة من الأوس والخزرج لقبول دعوة الحق، ثم المبايعة على النصرة ليلة العقبة، وأعقب ذلك الهجرة إلى