أما موقف التحمل فهو موقف استيثاق واحتياط؛ بدليل أن الآية الكريمة هنا تطلب الكتابة ثم تطلب الشهادة، وهي بهذا تُرشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذي تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهما.
فالمسألة ليست مسألة تقليل من شأن المرأة وعدم اعتراف بأهليتها، وليس في ذلك انتقاص لمكانتها، كما يزعم بذلك عشاق تشويه الإسلام، وإنما هو مجرد احتمال نسيان في أمور لا تهتم بها المرأة غالبًا، وهي خارجة عن طبيعتها، ولا تحرص على الاحتفاظ بها في ذاكرتها.
[الوجه الثالث: لا عبرة للذكورة أو الأنوثة في أمر الشهادة.]
١ - لو كانت الأنوثة والذكورة تلعبان دورًا في قيمة الشهادة ومدى شرعيتها، لسَمَت شهادة الرجل على شهادة المرأة في باب اللعان، أي: لكانت شهاداتها الأربع بقيمة شهادتين فقط من شهاداته، ولكن الواقع أنها متساويات.
وبيان ذلك أن الرجل إذا اتهم زوجته بالزنا كان عليه أن يدعم اتهامه بتقديم أربعة شهود ممن يعتد بشهادتهم وقد رأوا زوجته وهي تزني، فإذا عجز عن تقديم الشهود كان عليه أن يقسم أربع مرات بأنه صادق فيما يتهمها به. وهذه الأيمان تنزل في الشرع منزلة الشهادة.
وتعطي الزوجة التي تنكر هذه التهمة الفرصة ذاتها، فتقسم أربع مرات بأن زوجها كاذب فيما يتهمها به. ويتبين من ذلك أن أحدهما كاذب بالضرورة.
والثمرة الشرعية لهاتين الشهادتين المتكافئتين، أن يُقضى بالفصل بينهما فصلًا لا رجعة فيه، بعد أن يدعو الزوج على نفسه باللعن إن كان من الكاذبين، وتدعو الزوجة على نفسها بغضب اللَّه إن كان من الصادقين.
ومحل الشاهد في هذا: أن الأيمان الأربعة التي يؤديها كل منهما تنزل منزلة الشهادات الأربع التي تثبت أو تنفي جريمة الزنا. وقد جعل اللَّه قيمة الشهادات الأربع التي تثبت