للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رهذين الغلامين اللذين ضُرِبَا من الجيش المعادي -جيش المشركين- ويمدَّان الجيش بالماء، بل إن شريعة الإسلام تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تمنع تعذيب الأسير للإدلاء بمعلومات عن العدو، وقد قيل للإمام مالك: أَيُعذَّبُ الأسيرُ إن رُجِيَ أن يدلّ على عورة العدو؟ قال: ما سمعت بذلك. (١)

[المطلب الخامس: الرفق بهم واللين معهم.]

من أخلاق الإسلام أيضًا في التعامل مع الأسرى الرفقُ ولين الجانب، حتى يشعروا بالأمن والطمأنينة، وقد كان من أخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أنّه كان يردُّ علي استفسارات الأسرى، ولا يسأم أو يَمَلُّ من أسئلتهم، مما يُوحِي بسعة صدره، وعمق رحمته - صلى الله عليه وسلم - التي شملت البشر جميعًا ..

فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: "مَا شَأنُكَ؟ " فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ فَقَالَ: "إِعْظَامًا لِذَلِكَ أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ "ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَحِيمًا رَقِيقًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: "مَا شَأنكَ؟ " قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. قَالَ: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاح" ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: "مَا شَانْكَ؟ " قَالَ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَظَمْآنُ فاسقني، قَالَ: "هَذهِ حَاجَتُكَ" (٢).

فهذا التردد على الرجل كلما نادي عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو القائد الأول للدولة الإسلامية- ومناداته باسمه - صلى الله عليه وسلم - مجرّدًا يدلّ على مدى الرحمة والإنسانية التي يحملها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قلبه لكل البشر، وأعطى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي الهيثم بن التيّهان أسيرًا، وأمره بالإحسان إليه، فأخذه


(١) محمد بن يوسف المواق: التاج والإكليل: ٣/ ٣٥٣.
(٢) مسلم (١٦٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>