للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحليل - الذي يقول بإباحته بعض المذاهب؛ لدليل ظني ظهر لهم، ولكنه ظني طبعًا - ومات على هذا، والواقع أن كلا من الرجلين كان مخطئا بشهادة السنة الصحيحة، فأيهما كان حاله أخطر على المجتمع؟ الذي كان واهمًا في اعتقاده، أم الآخر الذي كان واهما في استباحته الفروج والشراب المحرمين؟

الوجه الثاني عشر: أن طرد قولهم بهذه العقيدة، وتبنيها دائمًا؛ يستلزم تعطيل العمل بحديث الآحاد في الأحكام العملية أيضًا، وهذا باطل لا يقولونه هم أيضًا به، وما لزم منه باطل؛ فهو باطل.

وبيانه: أن كثيرًا من الأحاديث العملية تتضمن أمورًا اعتقادية، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لنا: "إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال" (١).

ومثله أحاديث كثيرة لا مجال لاستقصائها الآن، فالقائلون بهذا القول إن عملوا به هنا، وتركوا العمل بهذا الحديث؛ نقضوا أصلًا من أصولهم، وهو وجوب العمل بحديث الآحاد في الأحكام، ولا يمكنهم القول بنقضه، لأن جل الشريعة قائم على أحاديث الآحاد.

وإن عملوا بالحديث -طردا للأصل المذكور-، فقد نقضوا به ذلك القول.

فإن قالوا: نعمل بهذا الحديث، ولكننا لا نعتقد ما فيه من إثبات عذاب القبر والمسيح الدجال! ؛ قلنا: إن العمل به يستلزم الاعتقاد به، كما سبق، وإلا فليس عملًا مشروعًا، ولا عبادة، وبالتالي فلم يعملوا بأصلهم المذكور، وكفى بقول بطلانا أنه يلزم منه إبطال ما قامت الأدلة الصحيحة على إيجابه، واتفق المسلمون عليه.

الوجه الثالث عشر: ويرد عليهم أيضًا بالإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث، وإثبات صفات الرب تعالى، والأمور العلمية الغيبية بها.

قال ابن القيم: فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول؛ فإن الصحابة هم الذين


(١) رواه مسلم (٥٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>