للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كان الفداء عامًا لكل البشر ولكل الخطايا، فإن هذا الفداء يشمل الإباحيين الذين يرتكبون الموبقات ويملئون الأرض بالفساد، وتكون عقيدة الفداء دعوة للتحلل والفساد باسم الدين، ثم القول بالفداء للجميع يجعل ضمن الناجين أعداء الأنبياء كفرعون وقارون واليهود الذين تآمروا على المسيح (١).

إذا كان كل من يقول بهذه العقيدة أو القضية ينجو من عذاب الآخرة كيفما كانت أخلاقه وأعماله لزم من ذلك أن يكون أهلها إباحيين، وأن يكون الشرير الذي يعتدي على أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم ويفسدون في الأرض ويهلك الحرث والنسل من أهل الملكوت الأعلى لا يُعذَّب على شروره وخطيئاته، ولا يُجازى عليها بشيء، فله أن يفعل في هذه الدنيا ما شاء هواه وهو آمن من عذاب الله، وإذا كان يُعذب على شروره وخطيئاته كغيره من الصليبيين فما هي فرية هذه العقيدة؟ وإذا كان امتياز عند الله في نفس الجزاء فأين العدل الإلهي؟ (٢).

فهم يزعمون أن المسيح اختار الصلب ليتحمل خطايا البشر، فمن آمن فقد تطهر من جميع الذنوب والآثام، وإن ارتكب الفواحش والمنكرات فالإيمان بالمسيح وحده كافٍ للنجاة ولا حاجة إلى العمل في الحصول على النجاة (٣).

[الفصل السادس: هل لا يغفر الإله للبشر إلا بعد الحصول على ثمن منهم؟]

وفيه وجوه:

الوجه الأول: هل الله يحتاج إلى العوض حتى يغفر الذَّنْبَ؟

فإن كلّ ما نزل بالمسيح من ضربٍ وإذلالٍ وصلبٍ وموتٍ إنما هو فداء وقضاء عن آدم، ضرب عوضًا من رفاهية آدم، وأهين بدلًا من عزّه الذي أمله بالخلود في الجَنَّة، وذلك رحمة من الله ولطف لآدم وبنيه وإظهار الشرف للمسيح، إذ جعله كبش قربان العالم بأسره (٤).

من هنا وضع النصارى للفدية شروطًا كلها لا تنطبق إلا على عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وحده،


(١) لكن شُبِّه لهم (٧٨).
(٢) تفسير المنار ٦/ ٢٧.
(٣) دراسات في اليهودية والنصرانية (٥٠٤).
(٤) تخجيل من حرف الإنجيل ١/ ٣٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>