للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به جمهور أصحابنا، وجماهير أهل العلم أنه حجة، وأطبق المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بأن المرسل ليس بحجة، على الاحتجاج به وإدخاله في الصحيح، وفي صحيحي البخاري ومسلم من هذا ما لا يحصى، وقال أبو إسحاق الإسفراييني: لا يحتج به، بل حكمه حكم مرسل غيره؛ إلا أن يتبين أنه لا يرسل إلا ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صحابي، قال: لأنهم قد يروون عن غير صحابي.

وقال أيضًا: والصواب الأول، وأنه يحتج به مطلقًا؛ لأن روايتهم عن غير الصحابي نادرة، وإذا رووها بينوها، فإذا أطلقوا ذلك فالظاهر أنه عن الصحابة، والصحابة كلهم عدول (١).

[الوجه الثالث: عائشة - رضي الله عنها - لم تنكر على أبي هريرة.]

إن كتب الصحيح لم تذكر إنكار عائشة عليه، ولكنها ذكرت المسألة، على أن أبا هريرة استفتى في صوم من أصبح جنبًا، فأفتى بأنه لا صوم له، فاستفتيت عائشة وأم سلمة في المسألة نفسها فكلتاهما أفتت بصحة صومه، وقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبًا -من غير احتلام- ثم يصوم، لما قيل لأبي هريرة رجع عن فتواه، وقال: هما أعلم مني، فالواقعة واقعة فتوى، فأفتى فيها كلٌّ بما علمه، وصح عنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس فيها إنكار عائشة ولا ردها عليه (٢).

[الوجه الرابع: هذا الخبر لا يدل على تكذيب أبي هريرة.]

لو سلمنا ثبوت الإنكار عنها فليس معناه تكذيب أبي هريرة فيما روى، بل معناه أنها لا تعرف هذا الحكم وإنما تعرف خلافه، فيكون من الاستدراكات التي استدركتها عائشة أم المؤمنين على كبار الصحابة كعمر، وابنه عبد الله، وأبي بكر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وأبي سعيد الخدري وغيرهم (٣)، وما زال الصحابة يستدرك بعضهم على بعض لا يرون ذلك تكذيبًا؛ بل تصحيحًا للعلم وأداءً للأمانة على ما يعرفها


(١) المجموع ١/ ٦٢، وانظر: المنهل الروي لـ محمد بن إبراهيم بن جماعة ١/ ٤٦.
(٢) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي صـ (٣٠٨: ٣٠٧).
(٣) انظر الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>