للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوطن، وهاجروا إلى المدينة عُزْلًا لا يملكون من قوت يومهم شيئًا، وذلك فرارًا بدينهم، وطلبًا لمكانٍ يعبدون فيه ربهم دون أن يتعرض لهم أحد، وقد قامت قريشٌ بالاستيلاء على جميع ممتلكات المهاجرين هؤلاء، واستباحت ديارهم وأموالهم، وليس أدلَّ على ذلك من تجريدهم لأموال صهيبٍ الرومي.

الوجه التاسع: الرد على استدلالهم بقول الله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} الآيات، وذلك من وجوه:

[الأول: معنى الآيات.]

قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)} (الأنفال: ٦٧).

قال الإمام الطبري: ما كان لنبيٍّ أن يحتبس كافرًا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمنّ. و (الأسر) في كلام العرب: الحبس، يقال منه: (مأسورٌ)، يراد به: محبوس. وإنما قال الله جل ثناؤه ذلك لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - يعرِّفه أن قتل المشركين الذين أسرهم - صلى الله عليه وسلم - يوم بدرٍ ثم فادى بهم، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.

وقوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}، يقول: حتى يبالغ في قتل المشركين فيها، ويقهرهم غلبة وقسرًا، يقال منه: أثخن فلان في هذا الأمر، إذا بالغ فيه. وحُكِيَ: أثخنته معرفةً، بمعنى: قتلته معرفةً. {تُرِيدُونَ}، يقول للمؤمنين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {تُرِيدُونَ} أيها المؤمنون، {عَرَضَ الدُّنْيَا} بأسركم المشركين، وهو ما عَرَض للمرء منها من مالٍ ومتاعٍ. يقول: تريدون بأخذكم الفداء من المشركين متاع الدنيا وطُعْمها {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}، يقول: والله يريد لكم زينة الآخرة وما أعدّ للمؤمنين وأهل ولايته في جناته، بقتلكم إياهم وإثخانكم في الأرض. يقول لهم: فاطلبوا ما يريد الله لكم وله اعملوا، لا ما تدعوكم إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>