للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو إهمال صلاتها والتخلي عن صيامها (١).

كان العرب في أيامهم الأولى يلتزمون جادة الصبر والأناة، إذ كثيرًا ما نقرأ عن مدن استسلمت بشروط ثم ثارت وتمردت على العرب ثم استسلمت مرة أخرى فأعادوا لها عهودها الأولى (٢).

ومن الأدلة الطيبة على ما كانت تسترشد به الحكومة الإسلامية في معاملتها الذميين ما جاء في الأمر الذي وجد بين أوراق البردي اليونانية المحفوظة في المتحف البريطاني، وعلى الرغم من فساد قسم منه فقد جاء في الباقي: خوفًا من الله، وحفظًا للعدالة والحق في توزيم القدر المفروض عليهم ولكن تجب معاملة الجميع بالعدل، وأخذ الشيء من كل منهم بقدر طاقته (٣).

يقول أرنولد توينبي: ثمة حالة نابهة الذكر لهذا التسامح المنشود يفرضها نبيٌّ على أتباعه وهو في موضعه الجليل. فإن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أتباعه بالتسامح الديني تجاه اليهود والمسيحيين الذين خضعوا سياسيًّا للحكم الإسلامي. فقدم محمد - صلى الله عليه وسلم - بذلك لقاعدة التسامح تفسيرًا قوامه أن أفراد هاتين الجماعتين الدينيتين غير المسلمتين هم أهل كتاب كالمسلمين أنفسهم، وليس أدل على روح التسامح التي بعثت الحياة في الإسلام منذ بدايته من أن المسلمين قد طبقوا مبدأ التسامح الديني على أتباع زرادشت الذين خضعوا للحكم الإسلامي؛ وإن لم يقل بذلك الرسول الكريم نفسه (٤).

لم يكن الاختيار بين الإسلام أو القتل، ولكن بين الإسلام أو الجزية وتلك سياسة مستنيرة، أجمعت الآراء على امتداحها. لقد سلك الإسلام طريقة بين رعايا الخلافة غير العرب، مستندًا على مزاياه وفضائله الذاتية، وكان انتشارًا بطيئًا لكنه كان مؤكدًا، ويحتمل


(١) أهل الذمة في الإسلام صـ ١٥٨ - ١٥٩.
(٢) المرجع السابق صـ. ١٦.
(٣) المرجع السابق صـ ١٦٣ - ١٦٤.
(٤) مختصر دراسة التاريخ ٣/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>