للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن قدامة: "إذا دخل حربي دار الإسلام بغير أمان، وادعى أنه رسول قبل منه، ولم يجز التعرض له؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لرسولي مسيلمة "لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما" (١). ولأن العادة جارية بذلك، وإن ادعى أنه تاجر، وقد جرت العادة بدخول تجارهم إلينا، لم يعرض له إن كان معه ما يبيعه؛ لأنهم دخلوا يعتقدون الأمان، أشبه ما لو دخلوا بإشارة مسلم، قال أحمد: "إذا ركب القوم في البحر، فاستقبلهم فيه تجار مشركون من أرض العدو ويريدون بلاد الإسلام لم يعرضوا لهم، ولم يقاتلوهم، وكل من دخل بلاد المسلمين من أرض الحرب بتجارة بويع، ولم يسأل عن شيء" (٢).

[الأدلة على مشروعية الأمان من الكتاب والسنة]

الأصل في الأمان قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)}.

قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه وإن استأمنك -يا محمد- من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك، وهو القرآن الذي أنزل الله عليه، (فأَجِرْهُ) يقول: فأمنه {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} وتتلوه عليه: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} يقول ثم رده بعد سماعه كلام الله إن هو أبى أن يسلم، ولم يتعظ بما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن إلى: (مَأمَنَهُ) يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك، حتى يلحق بداره وقومه من المشركين" (٣).

وقال ابن كثير: "يقول -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- عليه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الذين أمرتك بقتالهم، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم (اسْتَجَارَكَ) أي: استأمنك فأجبه إلى طلبته حتى يسمع كلام الله، أي: القرآن تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من أمر الدين


(١) رواه أحمد (١٥٩٨٩) وأبو داود (٢٧٦٣) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٣٢٠).
(٢) الشرح الكبير ١٠/ ٣٥٨، والحديث رواه أبو داود في سننه ٢/ ٧٦ وأحمد في مسنده ١/ ٣٩١.
(٣) تفسير الطبري ١١/ ٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>