للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثامن: شهادة الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم من أهل العلم بقوة حفظه، وإتقائه وكثرة سماعه وحرصه على الحديث.]

فكما رووا عنه فقد رجعوا إليه في السؤال والفتوى، ومنهم من قدمه في ذلك ووافقه فيما قال، فعَنْ مُعَاوِيةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الأنصاري أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ، فقَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَّهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فمَاذَا ترَيَانِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ؛ فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ الله ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فإني تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا، فَذَهَبَ فَسَأَلهُمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ، فَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ الْوَاحِدَةُ تُبِينها، وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا وَالثَّيِّبُ إِذَا مَلَكَهَا الرَّجُلُ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إِنَّهَا تَجْرِى مَجْرَى الْبِكْرِ الْوَاحِدَةُ تُبِينها، وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. (١)

وقال الذهبي: وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه، ويقول: أفت يا أبا هريرة. (٢)

عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يحدِّثُ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ بِالرَّبَذَةِ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوا نَاسًا أَحِلَّةً يَأْكُلُونَهُ، فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ، قَالَ: ثُمَّ قَدِمْتُ المدِينَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأْلتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ؟ قَالَ فَقُلْتُ: أَفْتيتُهُمْ بِأَكْلِهِ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَفْتيتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لأَوْجَعْتُكَ. (٣) ومن ذلك شهادة ابن عمر - رضي الله عنه - لأبي هريرة بالحفظ والتثبت.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: يَا أبَا هُرَيْرَةَ أَنْتَ كُنْتَ ألزَمَنَا لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَحْفَظَنَا لِحَدِيثِهِ. (٤)


(١) صحيح موقوف. أخرجه مالك في الموطأ كتاب الطلاق باب طلاق البكر. من حديث يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الأَشَجِّ أَنهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَارِيِّ، وأخرجه البغوي، في جزء أبي الجهم (٧٥) من طريق ليث، عن نافع، أن محمد بن إياس بن البكير، أتى عاصم بن عمر، وعبد الله بن الزبير، فاستفتاهما. . فذكره.
(٢) سير أعلام النبلاء ٢/ ٦٠٩.
(٣) صحيح. أخرجه مالك في الموطأ كتاب الحج باب مَا يجوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ من طريق سالم.
(٤) إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٦٢٧٠)، وأحمد في مسنده ٢/ ٢، والترمذي في سننه (٤٢٠)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>