للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقيم به عليه حجة الله: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أي: وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} أي: إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله في عباده" (١).

والدليل عليه من السنة ما رواه علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منهم صرف ولا عدل" (٢). ورُوي أيضًا عن أم هانئ -رضي الله عنه- أنها قالت: يا رسول الله، قد أجرت أحمائي وأغلقت عليهم، وإن ابن أمي أراد قتلهم، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، إنما يجير على المسلمين أدناهم" (٣).، وأجارت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنها أبا العاص بن الربيع، فأمضاه -صلى الله عليه وسلم- لها (٤).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يد المسلمين على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم" (٥).

[الفرق بين الأمان والذمة والهدنة.]

لابن القيم- رحمه الله تعالى-كلام نفيس في الفرق بين هذه المصطلحات الثلاثة وما يترتب عليها من أحكام، حيث يقول: "الكفار إما أهل حرب وإما أهل عهد؛ وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان، وقد عقد الفقهاء لكل صنف بابًا فقالوا: باب الهدنة، باب الأمان، باب عقد الذمة، ولفظ الذمة والعهد يتناول هؤلاء كلهم في الأصل، وكذلك لفظ الصلح، فإن الذمة من جنس لفظ العهد والعقد، وقولهم: هذا في ذمة فلان أصله


(١) تفسير القرآن العظيم ٢/ ٣٣٧.
(٢) رواه البخاري (٣٠٠٨)، ومسلم (١٣٧١).
(٣) رواه البخاري (٣٥٠)، مسلم (٣٣٦).
(٤) رواه عبد الرزاق في المصنف ٥/ ٢٢٤ - ٢٢٥، والبيهقي في السنن الكبرى ٩/ ٩٥.
(٥) رواه أحمد في المسند ٢/ ١٨٠، وابن خزيمة في صحيحه ٤/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>