للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشبهة لرابعة: قولهم: (السارق تقطع يده والزاني لا يقطع فرجه مع أنهما آلة فعل الجريمة).]

والجواب:

قال المارودي: جعل حد السرقة قطع اليد لتناول المال بها, ولم يجعل حد الزنا قطع الذكر مع موافقة الفاحشة به، لثلاثة معان:

أحدها: أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن إنزجر بها اعتاض بالثانية، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه.

والثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره، وقطع اليد في السرقة ظاهر، وقطع الذكر في الزنا باطن.

والثالث: أن في قطع الذكر إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله. (١)

وقال ابن القيم: وأما معاقبة السارق بقطع يده وترك معاقبة الزاني بقطع فرجه ففي غاية الحكمة والمصلحة، وليس في حكمة اللَّه ومصلحة خلقه وعنايته ورحمته بهم أن يتلف على كل جان كل عضو به، فيشرع قلع عين من نظر إلى المحرم، وقطع أذن من استمع إليه، ولسان من تكلم به، ويد من لطم غيره عدوانًا, ولا خفاء بما في هذا الإسراف والتجاوز في العقوبة وقلب مراتبها، وأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة تأبى ذلك، وليس مقصود الشارع مجرد الأمن من المعاودة ليس إلا, ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط؛ وإنما المقصود الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة، وأن يكون إلى كف عدوانه أقرب، وأن يعتبر به غيره، وأن يحدث له ما يذوقه من الألم توبةً نصوحًا، وأن يذكره ذلك بعقوبة الآخرة، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح (٢).

وقال أيضًا: وأما الزاني فإنه يزنى بجميع بدنه، والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن، والغالب من فعله وقوعه برضا المزني بها، فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب،


(١) تفسير المارودي (٢/ ٣٥)، وتفسير القرطبي (٦/ ١٧٠ - ١٧١).
(٢) إعلام الموقعين (٢/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>