للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما سبق يتبين بما لا يدع مجالًا للشك أن القرآن أصبح مظهرًا عظيمًا من مظاهر المجتمع الإسلامي ملأ على المسلمين حياتهم، يتلونه آناء الليل وآناء النهار في صلواتهم، وخلواتهم، ويحتكمون إليه في معاملاتهم، ويورثونه لمن بعدهم جيلًا بعد جيل. فعن الأعمش، قال: مر أعرابي بعبد الله بن مسعود، وهو يقريء قومًا القرآن، أو قال: وعنده قوم يتعلمون القرآن، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقال ابن مسعود: يقتسمون ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - (١).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها، فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟ قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله يقسم وأنتم ها هنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه، قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد. فخرجوا سراعًا إلى المسجد، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ قالوا يا أبا هريرة: فقد أتينا المسجد فدخلنا فلم نر فيه شيئًا يقسم، فقال لهم أبو هريرة: أما رأيتم في المسجد أحدًا، قالوا: بلى رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرأون القرآن، وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - (٢).

وبهذا نستطيع أن نقول: إن القرآن لم تتوقف تلاوته، ولم تنقطع كتابته على وجه الأرض يومًا أو بعض يوم منذ أنزله الله وشرع قراءته في الصلاة؛ فهو يتلى آناء الليل وآناء النهار، في المحاريب والكتاتيب، ويدون بالمحابر والدفاتر، فأنَّى له أن يصير منه حرف في نطاق العدم أو تزل به قدم.

[الأمر الثالث: طرق تحمل القرآن في أعلى درجات التوثيق.]

وطرق الأخذ والتحمل تأتي على أنواعٍ، ذكر المحدثون أنها ثمانية وهي باختصار:

السماع من لفظ الشيخ، القراءة على الشيخ، الإجازة، المناولة، المكاتبة، الإعلام، الوصية، الوجادة.

ولكل واحد من هذه الأقسام عند علماء الحديث مبحث خاص وأمثلة ليس هذا محل ذكرها.


(١) فضائل القرآن للقاسم بن سلام ١/ ١٠.
(٢) المعجم الأوسط ٢/ ١١. وحسن إسناده الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ١/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>