للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الملقن: وحرر الشيخ تقي الدين القشيري المسألة فقال: إن كان يغير المعنى لو اختصر؛ لم يجز اختصاره، وإن لم يغير مثل أن يذكر لفظين مستقلين في معنيين، فيقتصر على أحدهما، فالأقرب الجواز، لأن عهدة الرواية في التجويز هو: الصدق، وفي التحريم هو: الكذب، والصدق حاصل؛ فلا وجه للمنع، فإن احتاج ذلك إلى تغيير لا يخل بالمعنى؛ فهو خارج على جواز الرواية بالمعنى. (١)

[الوجه السادس: رواية الصحابة لم تكن بالمعنى على الإطلاق.]

قال القاضي عياض: لا يحتي باختلاف الصحابة في نقل الحديث الواحد بألفاظ مختلفة، فإنهم شاهدوا قرائن تلك الألفاظ، وأسباب تلك الأحاديث، وفهموا معانيها حقيقة، فعبروا عنها بما اتفق لهم من العبارات، إذ كانت محافظتهم على معانيها التي شاهدوها والألفاظ ترجمة عنها، وأما من بعدهم: فالمحافظة أولًا على الألفاظ المبلغة إليهم التي منها تستخرج المعاني، فما لم تضبط الألفاظ، وتتحرى، وتسومح في العبارات والتحدث على المعنى؛ انحل النظم، واتسع الخرق.

وجواز ذلك للعالم المتبحر معناه عندي: على طريق الاستشهاد، والمذاكرة، والحجة، وتحريه في ذلك متى أمكنه أولى، كما قال مالك: وفى الأداء والرواية آكد. (٢)

[الوجه السابع: الاختلاق في التلقين يؤدي إلى الاختلاف في التعبير.]

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلقن أصحابه؛ فيكون بين ما يلقنه ذا، وما لقنه ذاك شيء من ذاك الاختلاف في اللفظ، فحفظ أصحابه كل بما لقن، وضبطوا ذلك في صدورهم ولقنوه الناس، ورفع الحرج مع ذلك عن المسلمين، فكان بعضهم ربما تلتبس عليه كلمة مما


(١) المقنع في علوم الحديث (١/ ٣٧٧).
(٢) الإلماع (١/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>