للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَقًا. فَقَالَ لِي: "يَا أُبَيُّ! أُرْسِلَ إِلَيَّ أَنْ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا، فَقُلْتُ: اللهمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللهمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -" (١).

[الوجه الثاني: القراءات مصدرها التلقي والسماع وليس الاجتهاد والتشهي]

قال ابن حجر: وتتمة ذلك أن يقال: إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي، أي إن كل أحد منهم يغير الكلمة بمرادفها في لغته؛ بل المراعى في ذلك السماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويشير إلى ذلك قول كلٍ من: عمر وهشام في حديث الباب أقرأني النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢).

قلنا يشير إلى حديث عمر بن الخطاب قال: سَمِعْتُ هِشامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَمَعْتُ لِقرَاءَتِه، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -! ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ. فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَقُلْتُ: كَذَبْتَ. فَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسِلْهُ. اقْرَأْ يَا هِشَامُ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ يَا عُمَرُ. فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ". (٣)

فيؤخذ التلقي والمشافهة والسماع من قول عمر لما سمع هشامًا يقرأ: (فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -). ومن قول هشام لعمر: (أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) هكذا إلى آخر الحديث،


(١) رواه مسلم (٨٢٠).
(٢) فتح الباري (٨/ ٦٤٤).
(٣) رواه البخاري (٤٩٩٢)، ومسلم (٨١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>