فقالوا: اتهم المشركون محمدًا بأنه يورد أساطير الأولين في القرآن، وأن القرآن لم يرد على هذه الشبهة؟ لكنه فقط ينفي أن تكون هذه الأساطير من عند محمد، واستدلوا على ذلك في زعمهم بتعجب الإمام (الرازي) من رد القرآن، وموافقته لهذه القضية.
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: إثبات كذب هؤلاء في هذا الزعم من نفس كلامهم في الآية.
الوجه الثاني: أن الضمير في قوله {أَنْزَلَهُ} لا يعود على أساطير الأولين، وإنما هو عائد إلى القرآن.
الوجه الثالث: أن الآية جوابًا وإنكارًا، وليست إقرارًا، بل ترد على الشبهة.
الوجه الرابع: بيان كذبهم على الإمام (الرازي)، وأن هذا ليس من الأمانة في نقل الأخبار.
وإليك التفصيل
[الوجه الأول: إثبات كذبهم في هذا الادعاء من نفس كلامهم في الآية.]
فإنهم قالوا اكتتبها، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقرأ ولا يكتب، وهذا الكلام لسخافته وكذبه وبهته كل أحد يعلم منهم بطلانه، فإنه قد علم بالتواتر وبالضرورة: أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعاني شيئًا من الكتابة لا في أول عمره ولا في آخره، وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده إلى أن بعثه الله نحوا من أربعين سنة، وهم عرفوا مدخله ومخرجه، وصدقه وبره وأمانته، ونزاهته من الكذب والفجور، وسائر الأخلاق الرذيلة حتى أنهم لم يكونوا يسمونه في صغره إلى أن بعث إلا بـ (الأمين) لما يعلمون من صدقه وبره، فلما أكرمه الله بما أكرمه به نصبوا له العداوة والبغضاء، ورموه بهذه الأقوال التي يعلم كل عاقل براءته منها، وحاروا في ماذا يقذفون به، فتارة من إفكهم يقولون: ساحر، وتارة يقولون: شاعر، وتارة يقولون: مجنون،