للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعلَّه الطبري أيضًا بمعناه فقال: (وهذا إذا تدبّره ذو الفهم، علم أن أوَّله يفسد آخرَه، وأن آخره يُبطل معنى أوله؛ وذلك أن الله - جل ثناؤه - إن كان أخبر الملائكة أن ذرِّية الخليفة الذي يجعله في الأرض تفسد فيها وتسفك الدماء، فقالت الملائكة لربها: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} فلا وجه لتوبيخها على أن أخبرت عمن أخبرها الله عنه أنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء بمثل الذي أخبرها عنهم ربُّها. . .) وقال بهذا القول أيضًا قتادة (١).

[القول الثاني: أن الملائكة علمت ذلك من الجن؛ لأنهم كانوا أسبق من الإنس فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء.]

روي هذا القول عن ابن عباس (٢).

قال الطبري: وإنما تركنا القول بهذا في تأويل ذلك, لأنه لا خبر عندنا بالذي قالوه من وجه يَقطعُ مجيئُه العذرَ، ويُلزمُ سامِعَه به الحجة، والخبر عما مضى وما قد سلف لا يُدرك علمُ صحته إلا بمجيئه مجيئًا يمتنع مَعه التشاغب والتواطؤ، ويستحيل مَعه الكذب والخطأ والسهو (٣).

وقال صاحب المنار: وليس لهم في الإسلام سند يحتج به على هذه القصص. (٤)

القول الثالث: وإنما ظنوا هذا الظن بهذا المخلوق من جهة ما استشعروه من صفات هذا المخلوق المستخلف بإدراكهم النورراني لهيئة تكوينه الجسدية، والعقلية، والنطقية؛ إما بوصف الله لهم هذا الخليفة؛ أو برؤيتهم صورة تركيبه قبل نفخ الروح فيه وبعده، والأظهر أنهم رأوه بعد نفخ الروح فيه فعلموا أنه تركيب يستطيع صاحبه أن يخرج عن الجبلة إلى الاكتساب، وعن الامتثال إلى العصيان، فإن العقل يشتمل على شاهية، وغاضبة، وعاقلة، ومن مجموعها ومجموع بعضها تحصل تراكيب من التفكير نافعة وضارة، ثم إن القدرة التي في الجوارح


(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٦٤) وإسناده صحيح، أخرجه الطبري (١/ ٤٦٤) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي (١/ ٥٨)، والبرهان في علوم القرآن (٣/ ١٩٥) وجعل هذا مثالًا لحذف الجمل.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٤٥٥) وإسناده منقطع، وروي أيضًا عن عبد الله بن عمرو، أخرجه ابن أبي حاتم (١/ ٧٧).
(٣) تفسير الطبري (٤٧١)، وانظر: تفسير البغوي (١/ ٣١).
(٤) تفسير المنار ١/ ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>