للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تستطيع تنفيذ كل ما يخطر للعقل وقواه أن يفعله، ثم إن النطق يستطيع إظهار خلاف الواقع وترويج الباطل؛ فيكون من أحوال ذلك فساد كبير، ومن أحواله أيضًا صلاح عظيم. وإن طبيعة استخدام ذي القوة لقواه قاضية بأنه سيأتي بكل ما تصلح له هذه القوى خيرها وشرها فيحصل فعل مختلط من صالح وسيء، ومجرد مشاهدة الملائكة لهذا المخلوق العجيب المراد جعله خليفة في الأرض كافٍ في إحاطتهم بما يشتمل عليه من عجائب الصفات على نحو ما سيظهر منها في الخارج؛ لأن مداركهم غاية في السمو لسلامتها من كدرات المادة، وإذا كان أفراد البشر يتفاوتون في الشعور بالخفيات، وفي توجه نورانية النفوس إلى المعلومات، وفي التوسم والتفرس في الذوات بمقدار تفاوتهم في صفات النفس جِبِلِّيَّة واكتسابية ولدنية التي أعلاها النبوة، في ظنك بالنفوس الملكية البحتة؟ (١).

وثمَّ أقوالٌ أُخَرُ لا نُعَرِّجُ عليها لظهور ضعفها وتهافتها، فها أنت ترى اختلاف المفسرين في كيفية علم الملائكة بهذا الأمر، وحُقَّ لهم الاختلاف؛ والسبب الواضح هو أننا متعبَّدون بالدليل فطالما أنه لم يرد في قرآن ولا سنة، وسكت عنه نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإننا نسكت عنه، ونقول كما قالت الملائكة لربها: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، ويسعنا السكوت كما وسع من سبقنا.

* * *


(١) التحرير والتنوير (١/ ٣٨٨)، وانتصر له وضعف غيره، الرازي (٢/ ١٥٦)، نظم الدرر للبقاعي (١/ ٨٨)، ابن كثير (١/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>