للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معبودًا أقوى من مجرد الإطاعة في أمر التحليل والتحريم، كما هو المراد باتخاذهم الأحبار والرهبان أربابًا، لأنه مختص بالنصارى، ونسبته - صلى الله عليه وسلم - إلى أمه من حيث دلالتها على مربوبيته المنافية للربوبية للإيذان بكمال ركاكة رأيهم والقضاء عليهم بنهاية الجهل والحماقة وما أمروا أي والحال أن أولئك الكفرة ما أمروا في كتابيهم، إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا عظيم الشأن هو الله سبحانه وتعالى ويطيعوا أمره ولا يطيعوا أمر غيره بخلافه؛ فإن ذلك مخل بعبادته تعالى؛ فإن جميع الكتب السماوية متفقة على ذلك قاطبة، وقد قال المسيح: عليه السلام إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، وأما طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وسائر من أمر الله تعالى بطاعته، فهي في الحقيقة طاعة لله عز وجل، أو وما أمر الذين اتخذهم الكفرة أربابا من المسيح والأحبار والرهبان إلا ليوحدوا الله. (١)

الدليل الرابع عشر: يثبت أنه رسول أيده الله بروح القدس. قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)} (البقرة: ٨٧). ووجه الاستدلال: في هذه الآية يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل إليهم كليمه موسى، وآتاه التوراة، ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة، إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر، {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} أي: قواه الله بروح القدس. قال أكثر المفسرين: إنه جبريل عليه السلام، وقيل: إنه الإيمان الذي يؤيد الله به عباده. ثم مع هذه النعم التي لا يقدر قدرها، لما أتوكم {بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} عن الإيمان بهم، {فَفَرِيقًا} منهم {كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} فقدمتم الهوى على الهدى، وآثرتم الدنيا على الآخرة، وفيها من التوبيخ والتشديد ما لا يخفى. (٢)


(١) تفسير أبي السعود سورة التوبة آية (٣١).
(٢) تفسير السعدي ١/ ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>