للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال رحمه الله: والأصل أن القبلة لم يكرهها من كرهها إلا لما يخشى أن تولده على الصائم من التطرق إلى الجماع على كل صائم وبالله التوفيق (١).

وخلاصة القول عند أهل العلم على هذا الحديث: أن فيه مسائل

الأولى: هل القبلة والمباشرة جائزة أم محرمة في الصيام؟ . وقد سبق النقل عن أهل العلم وخلاصته أن الصائم إذا ملك نفسه جاز له التقبيل، وإذا لم يأمن تركه وهذا بين من كلام ابن عبد البر. (٢)

الثانية: هل هذا الفعل يعد من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - أم هو تشريع لجميع الأمة؟ .

وفي حديث عمر بن أبي سلمة الجواب على هذا حيث: سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيقبل الصائم؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سل هذه" أي: أم سلمة، فأخبرته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية" (٣).

قال النووي: إنه ظن أن جواز التقبيل للصائم من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لا حرج عليه فيما يفعل، لأن الله مغفور له، فأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه هذه المقولة، وفي بعض الروايات خارج مسلم أنه غضب من هذه المقولة لذلك قال: أنا أتقاكم لله تعالى وأشدكم له خشية، فكيف تظنون بي أو تجوزون علي ارتكاب منهي عنه ونحوه (٤).

ولكن قد يستشكل البعض أنه قد ورد في بعض طرق الحديث عن عائشة قالت: "وكان أملككم لإربه" فكيف يكون هذا لجميع الأمة، ولا يعد من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -.

أجاب النووي على هذا الإشكال فقال: قال العلماء معنى كلام عائشة أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة، ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - في استباحتها لأنه كان يملك


(١) الاستذكار ٣/ ٢٩٧، وانظر التمهيده / ١٠٩ وما بعدها.
(٢) وانظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري ٣/ ٣٥١.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي ٤/ ٢٣٥ - ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>