ورفعة، ثم صار في الاستعمال لكل داع إلى الإقبال، وأما في هذا الموضع فهو على أصله، فإن الداعي هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أمتعكن) ...... ، وقرئ "أمتعكن" بضم العين.
وكذا (وأسرحكن) بضم الحاء على الاستئناف.
والسراح الجميل: هو أن يكون طلاقا للسنة من غير ضرار ولا منع واجب لها.
الخامسة: اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه على قولين:
الأول: أنَّه خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق، فاخترن البقاء، قالته عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي وابن شهاب وربيعة.
الثاني: ومنهن من قال: إنما خيرهن بين الدنيا فيفارقهن، وبين الآخرة فيمسكهن، لتكون لهن المنزلة العليا كما كانت لزوجهن، ولم يخيرهن في الطلاق، ذكره الحسن وقتادة.
ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أحمد بن حنبل أنه قال: لم يخير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه إلا بين الدنيا والآخرة.
قلت: القول الأول أصح، لقول عائشة - رضي الله عنها - لما سئلت عن الرجل يخير امرأته فقالت: قد خيرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفكان طلاقًا! في رواية: فاخترناه فلم يعده طلاقا ولم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا التخيير المأمور بين البقاء والطلاق، لذلك قال: (يا عائشة إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك) الحديث.
ومعلوم أنه لم يرد الاستئمار في اختيار الدنيا وزينتها على الآخرة.
فثبت أن الاستئمار إنما وقع في الفرقة، أو النكاح. والله أعلم. (١)
[الوجه الثاني: بيان المقصود بقولها - رضي الله عنها - (إن ربك يسارع في هواك).]
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللاتِي وَهَبْنَ أنفُسَهُنَّ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَقُولُ: أَتَهَبُ امْرْأَةُ نَفْسَهَا فَلَمَّا أَنْزَلَ الله تَعَالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ
(١) تفسير القرطبي (١٤/ ١٧٠).