للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَيُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَإِذَا أَهْلُ الْعِرَاقِ يقرؤون بِقِرَاءةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الشَّامِ، فَيُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الشَّامِ. قَالَ زَيْدٌ: فَأَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ مُصْحَفًا (١).

فكانت هذه الْحادثة هي أهم الأسباب التي بعثت على جمع القرآن في زمن عثمان، فقد أكدت ما ظنه من أن أهل الأمصار أشد اختلافًا مِمَّن كان بدار الخلافة بالْمدينة وما حولَها (٢).

لهذه الأسباب والأحداث رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع، وأن يستأصل الداء قبل أن يعز الدواء، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، ووضْع حد لذلك الاختلاف، وحسم مادة هذا النزاع، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف يرسل منها إلى الأمصار، وأن يؤمر الناس بإحراق كل ما عداها وألا يعتمدوا سواها، وبذلك يرأب الصدع، ويجبر الكسر، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية نورهم الهادي في ظلام هذا الاختلاف، ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة، وحَكَمهم العدل في ذاك النزاع والمراء، وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء (٣).

[خطة الجمع.]

أولًا: مصادر هذا الجمع.

١ - أمر عثمان بإحضار كل ما كان موجودًا في أيدي الناس مما كتب بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، أخرج ابن أبي داوود في المصاحف عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون قراءة أبي، وقراءة عبد الله. يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك؛ فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن،


(١) رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار ٤/ ١٩٣، وذكره الحافظ في الفتح ٨/ ٦٣٣، وأصله في البخاري (٤٣١١).
(٢) جمع القرآن (١٠٣ - ١٠٦).
(٣) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ٢١٦ - ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>