للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُوِيَ عن أبي عبيدة أنه قال: أشعرُ الناس ثلاثةٌ: امرؤ القيس بن حجر، وزهير بن أَبي سُلْمَى، والنابغة الذبياني، ثم اختلفوا فيهم.

ورُوي عن يحيى بن سليمان الكاتب أنه قال: بَعَثني المنصور إلى حَمّادٍ الراوية أسأله عن أشعر الناس، فأتيتُه وقلت: إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس.

فقال: ذاك الأعشى صَنَّاجُها.

ويقول: ويزيد الأمر بيانًا أنا رأيناهم حين طبَّقوا الشعراءَ جعلوا امرأَ القيس بنَ حجر، وزهيرًا، والنابغة والأعشى في طبقة، فأعلموا بذلك أنهم أَكفاءٌ ونُظَراء، وأن فضلًا إن كان لواحدٍ منهم، فليس بالذي يُوئِسُ الباقين من مُدَاناتِه، ومن أن يستطيعوا التعلق به والجري في مَيْدَانه ويمنعهم أن يدَّعوا لأنفسهم أو يُدَّعَى لهم أنهم ساوَوهُ في كثير مما قالوه أو دَنَوْا منه، وأنهم جَرَوا إلى غايَتِه أو كادوا، وإذا كان هذا صورة الأمر، كان من العَمَى التعلُّقُ به، ومن الخَسَار الوُقوعُ في الشُّبْهَة. (١)

ونحن أمام قرآن عظيم ما قال بمثله ولا بمثل سورة منه إنس ولا جان فهو ليس كالشعر الذي يقوله الكثير، ثم يُفاضل بينهم.

[الوجه العاشر: إن فساد معاني الأبيات بما لا يقتضيه واقع العرب وعقيدتها الجاهلية يفضح كذب ادعائها على الشعر الجاهلي كله.]

ولنتساءل كيف تكون تلك الأبيات لامرئ القيس المشهور؟ ! ثم يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكلام مسروق من شعره يعرضه على قريشٍ التي هي أفصح العرب وأحفظهم لشعر الشعراء، وبلغ منهم أن عظَّموا القصائد وعلقوها على الكعبة، ولا يخرج رجل واحد منهم حافظ للشعر، ويقول له: أنت يا محمد نقلت تلك الأبيات من امرؤ القيس، ثم يأت فلان العجمي بعد ألف وأربعمائة سنة ليقول لنا: خذوا تلك أبيات امرؤ القيس التي نقلها نبيكم في القرآن! .


(١) "الرسالة الشافية في وجوه الإعجاز" لعبد القاهر الجرجاني من صـ ٥٩١: ٥٩٥ باختصار.
ويقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله تعالى - في (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية): إن لكلام الله تعالى أسلوبًا خاصًّا يعرفه أهله ومن امتزج القرآن بلحمه ودمه، وأما الذين لا يعرفون منه إلا مفردات الألفاظ وصور الجمل فأولئك عنه مبعدون.

<<  <  ج: ص:  >  >>