للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حجر: قَوْله: (اُحْجُبْ) أَيْ: اِمْنَعْهُنَّ مِنْ الْخُرُوج مِنْ بُيُوتهنَّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَر بَعْد نُزُول آيَة الْحِجَاب قَالَ لِسَوْدَةَ مَا قَالَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ أَوَّلًا الْأَمْر بِسَتْرِ وُجُوههنَّ، فَلَمَّا وَقَعَ الْأَمْر بِوَفْقِ مَا أَرَادَ أَحَبَّ أَيْضًا أَنْ يَحْجُب أَشْخَاصهنَّ مُبَالَغَة فِي التَّسَتُّر، فَلَمْ يُجَبْ لِأَجْلِ الضَّرُورَة. وَهَذَا أَظْهَر الِاحْتِمَالَيْنِ. وَقَدْ كَانَ عُمَر يَعُدّ نُزُول آيَة الْحِجَاب مِنْ مُوَافَقَاته، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ لَهُنَّ فِي التَّسَتُّر عِنْد قَضَاء الْحَاجَة حَالَات: أَوَّلهَا بِالظُّلْمَةِ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ دُون النَّهَار كَمَا قَالَتْ عَائِشَة فِي هَذَا الْحَدِيث: "كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ"، ثُمَّ نَزَلَ الْحِجَاب فَتَسَتَّرْنَ بِالثِّيَابِ، لَكِنْ كَانَتْ أَشْخَاصهنَّ رُبَّمَا تَتَمَيَّز؛ وَلِهَذَا قَالَ عُمَر لِسَوْدَةَ فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة بَعْد نُزُول الْحِجَاب: أَمَا وَالله مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، ثم قال: وسبب نزول هذا الحديث قصة زينب بنت جحش (١).

ثم أورد البخاري حديثًا ليبين أنه يجوز لهن الخروج لقضاء حوائجهن، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد أذن أن تخرجن في حاجتكن" (٢).

السبب الثالث: روى أنس أن عُمَرُ - رضي الله عنه - قال: يَا رَسُولَ الله، يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ؛ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ. فَأَنْزَلَ الله آيَةَ الْحِجَابِ. (٣)

قلت: وفي المسألة أقوال وروايات أخرى فيها ضعف، واكتفينا بما ثبت.

الأمر الثاني: سبب نزول قوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ. . .}.

عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو قد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتزوجت عائشة أو أم سلمة. فأنزل الله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا. . .} (٤).


(١) فتح الباري (١/ ٣٠٠ - ٣٠١).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٧).
(٣) أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ١٥٧٣).
(٤) السنن الكبرى للبيهقي (٧/ ٦٩) (١٣١٩٦) وهذا حديث باطل فيه محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف، وفيه مهران بن أبي عمر قال في التقريب: صدوق له أوهام سيء الحفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>