للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا ندت الأخبار عن تلك الأصول وشذت يعدونها مناهضة لما هو أقوى ثبوتا منها وهو الأصل المؤصل من تتبع موارد الشرع الجاري مجرى خبر الكافة والطحاوي كثير المراعاة لهذه القاعدة في كتبه ويظن من لا خبرة عنده أن ذلك ترجيح منه لبعض الروايات على بعضها بالقياس وآفة هذا الشذوذ المعنوي في الغالب كثرة اجتراء الرواة على الرواية بالمعنى بحيث تخل بالمعنى الأصلي وهذه قاعدة دقيقة يتعرف بها البارعون في الفقه مواطن الضعف والنتوء في كثير من الروايات فيرجعون الحق إلى نصابه بعد مضاعفة النظر في ذلك ولهم أيضًا مدارك أخرى في علل الحديث دقيقة لا ينتبه إليها دهماء النقلة وللعمل المتوارث عندهم شأن يختبر به صحة كثير من الأخبار. (١)

وفي مقدمة شرح مسند أبي حنيفة: ذكر من أصوله قبول مرسلات الثقات إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها. (٢)

وقال ابن اللحام: واعتبر الشافعي في المتن أن يسند الحفاظ المأمونون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه آخر معنى ذلك المرسل أو يرسله غيره وشيوخهما مختلفة أو يعضده قول صحابي أو قول عامة العلماء، وكلام أحمد في المرسل قريب من كلام الشافعي. (٣)

وقال ابن تيمية: وما كان من المراسيل مخالفًا لما رواه الثقات كان مردودًا. (٤)

وإذا كان الأمر كذلك فحري أن نذكر النصوص الشرعية من القرآن والسنة التي تخالف هذا المرسل وهو الوجه الثالث.

[الوجه الثالث: الأدلة من القرآن على بطلان هذه القصة.]

أحدها: قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٤ - ٤٦].

وثانيها: قوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: ١٥].


(١) نصب الراية (١/ ٢٢).
(٢) شرح مسند أبي حنيفة (١/ ٣).
(٣) المختصر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (١/ ٩٦)
(٤) منهاج السنة (٧/ ٤٣٥) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر (٢/ ٥٦٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>