للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس كل ما يقع من الكمّل يكون لائقًا بهم، إذ المعصوم من عصم اللَّه والسنّي لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه، حتى يرفعه إلى مصاف أئمة الشيعة المعصومين، ولا شك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذا همّت بالرجوع حين علمت بتحقيق نبوة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند الحوأب، ولكن الزبير -رضي اللَّه عنه- قد أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى اللَّه أن يصلح بك بين الناس، ولاشك أنه كان مخطئًا في ذلك أيضًا. (١)

هنا أدرك علي -رضي اللَّه عنه- خطورة الموقف وما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية، فاستنفر أهل المدينة للخروج معه فاجتمع معه حوالي سبعمائة رجل، واعتزل الكثير من الصحابة هذه الفتنة، فخرج علي من المدينة متجهًا إلى العراق، وقد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل فبلغوا تسعمائة رجل. (٢)

وقد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق وهو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة والاختلاف، لكن عليًا رفض ذلك وأصر على الخروج. (٣)

وقد جاءت روايات لتبين أن عليًا -رضي اللَّه عنه- خرج من المدينة في إثر أصحاب الجمل، وهذا الأمر لم يحدث، بل الصحيح أنه خرج من المدينة عاقدًا العزم على التوجه إلى الكوفة ليكون قريبًا من أهل الشام، ولم يخرج في أعقاب أصحاب الجمل.

[وفي ما يلي بيان هذا الأمر: -]

أ- ذكرت بعض الروايات أن عليًا -رضي اللَّه عنه- حين خرج من المدينة أقام في الربذة عدة أيام، وهذا الصنيع من علي -رضي اللَّه عنه- لا يشبه صنيع من خرج يطلب قومًا. هذا فضلًا عن أن الربذة تقع على طريق الكوفة بينما أصحاب الجمل كانوا يسلكون طريق البصرة.


(١) السلسلة الصحيحة (٤٧٤) بتصرف يسير، وقال ابن حجر عن الحديث: سنده على شرط الشيخين، انظر فتح الباري (١٣/ ٥٩ - ٦٠)، وقال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح، مجمع الزوائد (٧/ ٢٣٤)، وصححه الألباني قي الصحيحة، ورد على من طعن في صحته، وبين من أخرجه من الأئمة، انظر: الصحيحة (٤٧٤).
(٢) تاريخ دمشق لابن عساكر (٤٢/ ٤٥٦).
(٣) مصنف ابن أبي شيبة (١٥/ ٩٩، ١٠٠) بإسناد حسن، تاريخ دمشق (٤٢/ ٤٥٦، ٤٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>