للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وكان ما يطالب به من الشكر أكثر مما يطالب من دونه، فيكون حق الله عليه أعظم، وأعماله لا تفي بحقه عليه فنعم الله تطالبه بالشكر، وأعماله لا تقابلها، وذنوبه وغفلته وتقصيره قد تستنفد عمله، فديوان النعم وديوان الذنوب يستنفدان طاعاته كلها هذا وأعمال العبد مستحقة عليه بمقتضى كونه عبدًا مملوكًا مستعملًا فيما يأمره به سيده، فنفسه مملوكة، وأعماله مستحقة بموجب العبودية، فليس له شيء، فلا هو مالك لنفسه ولا صفاته ولا أعماله، بل كل ذلك مملوك عليه مستحق عليه لمالكه (١).

[الأعمال الصالحة أسباب لا أعواض ولا أثمان]

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لن ينجي أحدًا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل.

وهذا لا ينافي قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، فإنها إنما تدل على أن الأعمال أسباب لا أعواض وأثمان والذي نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدخول بالعمل هو نفي استحقاق العوض ببذل عوضه فالمثبت باء السببية والمنفي باء المعاوضة والمقابلة وهذا فصل الخطاب (٢).

[شكر الله على نعمه لا يقدر على القيام به أحد، لكثرة نعم الخالق وتقصير المخلوق]

الله هو المنعم المالك على الحقيقة الذي لا تُعد نعمه وحقوقه على عبده، ولا يمكن أن تقابلها طاعاته بوجه، فلو عذبه سبحانه لعذبه وهو غير ظالم له، وإذا رحمه فرحمته خير له من أعماله، ولا تكون أعماله ثمنًا لرحمته البتة، فلولا فضل الله ورحمته ومغفرته ما هنا أحدًا عيش البتة، ولا عرف خالقه ولا ذكره ولا آمن به ولا أطاعه، ومن لم ينظر في حقه عليه وتقصيره وعجزه عن القيام به فهو من أجهل الخلق بربه وبنفسه ولا تنفعه طاعاته ولا يسمع دعاؤه.

وسر المسألة أنه لما كان شكر المنعم على قدره، وعلى قدر نعمه، ولا يقوم بذلك أحد كان حقه سبحانه على كل أحد، وله المطالبة به، وأن لم يغفر له ويرحمه وإلا عذبه، فحاجتهم إلى مغفرته ورحمته وعفوه كحاجتهم إلى حفظه وكلاءته ورزقه، فإن لم يحفظهم


(١) شفاء العليل لابن القيم (٢٤٠).
(٢) مفتاح دار السعادة ٢/ ٤٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>