للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن العرب ما عرفوا من النصرانية إلا شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، فلو تأثر الإسلام بما عليه دين النصارى من الباطل، لشعُر العرب أن الإسلام لم يأتِ بجديد، وكان جديرًا لهم أن يتبعوا النصرانية بدلًا عن الإسلام.

إن الهجرة إلى الحبشة ما جعلت هناك دواعي لتأثر الإسلام بالنصرانية؟ فإنه لم تكن الحبشة النصرانية قادرة في تلك المرحلة على أن تعطي شيئًا للإسلام أو لغير الإسلام؟ بل لم تكن النصرانية عمومًا في الحبشة وغيرها قادرة على أن تعطي الإنسانية شيئًا؟ وقد كان عمر - رضي الله عنه - يُقَالُ له القبيلة الفلانية اعتنقت النصرانية في الجاهلية والقبيلة الفلانية اعتنقت النصرانية فيقول رضوان الله عليه بسخرية ذات معنى عميق يقول: (إن العرب ما عرفوا من النصرانية إلا شرب الخمر وأكل لحم الخنزير) (١)؛ وعمر - رضي الله عنه - كان يتحدث عن العرب ولا يجهل أن النصرانية عمومًا بين العرب وغير العرب ما عرفت في تلك الأيام إلا شرب الخمر وأكل الخنزير والاعتداء على المحرمات، هذا واقع يشهد به تاريخ الحبشة في ذلك الزمان. (٢)

[الوجه الخامس: تأثير الإسلام في اليهودية والنصرانية يبين هيمنة القرآن على غيره، وضعف القول بأن اليهودية والنصرانية هما اللتان أثرتا في القرآن.]

قال د. عبد الراضي محمد عبد المحسن: لعل هذا الوجه من أبرز دلائل تهافت المزاعم التنصيرية حول تلفيق القرآن من اليهودية والنصرانية؛ لأن واقع الأمر وحقيقة الحال أن اتجاه التأثير كان عكسيًّا، من اللاحق إلى السابق، وليس من السابق إلى اللاحق، وهذا الاتجاه التأثيري العكسي وإن كان على غير المألوف إلا أن له ما يسوغه، حيث جاءت اليهودية والنصرانية دعوة مرحلية لجماعات قبلية محدودة من البشر، فلمّا أرادت تجاوز طبيعتها وأهداف رسالتها احتاجت إلى عناصر تمكنها من ملاءمة الدائرة الزمانية والمكانية والثقافية الجديدة التي أرادتها لنفسها، ولمّا كانت تفتقد إلى تلك العناصر التي لم تتوفر إلا


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٦/ ٧٢، لكنه من قول علي - رضي الله عنه -، وإسناده صحيح.
(٢) موسوعة البحوث والمقالات العلمية - بحث رقم ١٣ ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>