[٦ - جهودهم في التوفيق بعد الضيق الذي سببته هذه الأخطاء لهم]
وللتوفيق بين ما لا يقبل التوفيق وبين الاعتقاد السائد بين مفسري الكتاب المقدس ومؤداه هو الصدق المطلق لكل نصوص الكتاب المقدس على الرغم من ظهور ووضوح التناقض فيما بينها من جهة وفيما بينها وبين الحقائق العلم من جهة أخرى، اجتهد علماء اللاهوت المسيحي في تعريف الحقيقة والتصورات الكلاسيكية للحقيقة وليس متاحًا في بحثنا هذا أن نعرض لكل تفاصيل الدراسات اللاهوتية المتصلة بموضوع (الحقيقة في التوراة) مثل تلك الدراسة التي قدمها أ. لورتز عام ١٩٧٢ تحت عنوان (ما هي حقيقة التوراة) وهي الدراسة التي أصدرتها دار سنتريون في باريس ويهمان فحسب بهذا الصدد أن نشير إلى رأي مؤلف هذه الدراسة فيما يتعلق بحقائق العلم.
يلاحظ مؤلف كتاب (ما هي حقيقة التوراة) أن المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان قد حذر من إعطاء رجال الدين المسيحي أي قواعد أو أحكام للتمييز بين الخطأ والحقيقة في التوراة حيث إن هناك اعتبارات أساسية تشير إلى استحالة هذا التمييز بين الخطأ والحقيقة، ولا تستطيع الكنيسة أن تتخذ قرارًا تحسم به الرأي بشأن صحة أو خطأ المناهج العلمية بحيث تحل بشكل عام مشكلة الحقائق والأخطاء في الكتاب المقدس.
ومن الواضح أن الكنيسة لا تستطيع أن تصدر تقييما صحيحا عن قيمة المنهج العلمي كوسيلة للوصول إلى المعرفة ولكن المسألة إنما هي شيء آخر تمامًا. إن المسألة هنا لا تتعلق بالنظريات العلمية ولكن المسألة في حقيقة الأمر تتصل بالحقائق العلمية الثابتة فعلًا في يومنا هذا، وفي عصرنا هذا ليس من الضروري أن يكون الإنسان متعمقًا في العلوم الوضعية ليعرف أن العالم لم يخلق من عدم منذ سبعة وثلاثين أو ثمانية وثلاثين قرنا مضت. إننا نعرف معرفة يقينية أن الإنسان لم يكن قد بدأ في الظهور على سطح الأرض آنذاك، وأن ترتيب الأدوار الجيولوجية التي بني على أساسها هذا الترتيب التوراتي قد ثبت بطلانه بما لا يدع مجالًا لأي ريب. ولقد كان من الضروري لمؤلف كتاب (ما هي حقيقة التوراة؟ ) أن يعي مثل هذا الاعتبار على سبيل المثال لا الحصر.