للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُجَّتها على من أرسلت إليه، فإذا كان ذلك كذلك كان غير جائزٍ عليها أن تخبر بخبرٍ إلا وهو حق وصدق. فمعلومٌ إذ كان الأمر على ما وصفت أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن، فيقول لأحدهما: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ}، ثم يؤكد ذلك بقوله: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}، عند قولهما: (لم ترَ شيئًا) إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه، أنه كائن لا محالة لا شك فيه. وليقينه بكون ذلك، قال للناجي منهما: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}، فبيِّنٌ إذًا بذلك فسادُ القول الذي قاله قتادة في معنى قوله: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا} (١).

[الوجه الرابع: بيان الحكمة من التعبير بهذا اللفظ القرآني.]

قال الآلوسي: جاء على صيغة الماضي مبالغة في الدلالة على تحقق النجاة حسبما يفيده قوله تعالى: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}، وهو السر في إيثار ما عليه النظم الكريم على أن يُقال للذي ظنه ناجيًا منهما من صاحبيه، وإنما ذكر بوصف النجاة تمهيدًا لمناط التوصية بالذكر بما يدور عليه الامتياز بينه وبين صاحبه المذكور بوصف الهلاك.

والظان: هو يوسف - عليه السلام - لا صاحبه؛ لأن التوصية المذكورة لا تدور على ظن الناجي بل على ظن يوسف، وهو بمعنى: اليقين كما في قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}، ولعل التعبير به من باب إرضاء الظانِّ والتأدب مع الله تعالى، فالتعبير بالوحي كما ينبئ عنه قوله تعالى: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}، وقيل: هو بمعناه، والتعبير بالاجتهاد والحكم بقضاء الأمر أيضًا اجتهادي، {عِنْدَ رَبِّكَ}: سيدك وصِفْنِي له بصفتي التي شاهدتها (٢).

* * * *


(١) تفسير الطبري (١٢/ ٢٢٢).
(٢) روح المعاني (١٢/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>