للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم -، كالخروج في السرايا والغزوات، وتبليغ العلم، ونقل الكتب إلى الملوك والأمراء المجاورين للجزيرة العربية، وما تتطلبه مثل هذه المهمات من سفر وغياب عن مجالسة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد يدوم غيابهم أيامًا أو أشهرًا، كما أن منهم من لم يكن يساكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، حتى يتسنى له لقاؤه متى شاء، أو في الوقت الذي تسمح له ظروفه اللقاء به.

لهذه الأسباب وغيرها لم تتيسر الملازمة التامة لكثير ممن طالت صحبتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما تيسرت لأبي هريرة - رضي الله عنه -، ويشهد لذلك ما جاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحفظنا لحديثه. (١)

[الوجه الحادي عشر: تأخر وفاته وحاجة الناس إلى علمه، وكثرة الرواة عنه.]

كان أبو هريرة لله من القلائل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين امتد بهم العمر إلى ما بعد سنة خمسين من الهجرة، واحتاج الناس إلى علمهم والرجوع إليهم فيما أشكل عليهم من أمور، ولما كان من أكثر الصحابة حفظًا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجمعًا له، واستعدادًا لبذله، كان حريًا أن يقبل عليه طلاب العلم وعشاق المعرفة، وحماة الدين من صحابة وتابعين - رضي الله عنهم -، حيث روى عنه نحو ثمانية وعشرين من كبار الصحابة وصغارهم، كزيد بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة، وغيرهم - رضي الله عنهم -، كما روى عنه وتتلمذ عليه مئات من التابعين - رضي الله عنهم -.

قال البخاري: روى عنه ثمانمائة نفس، أو أكثر. (٢)

وقال الحاكم: بلغ عدد من روى عن أبي هريرة من الصحابة ثمانية وعشرين رجلًا، فأما التابعون فليس فيهم أجل ولا أشهر ولا أشرف وأعلم من أصحاب أبي هريرة، وذكرهم في هذا الموضع يطول لكثرتهم (٣)

ولم يتوفر فيما أعلم لغيره من رواة الصحابة - رضي الله عنهم -، مثل هذا العدد من الرواة والناقلين


(١) صحيح. وقد تقدم تخريجه.
(٢) تذكرة الحفاظ ١/ ٣٦.
(٣) المستدرك ٣/ ٥١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>