لقوله تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}(البقرة: ٢٥٥)، إن حجم هذا الكرسي وما يحويه من السموات السبع لا تكاد تذكر مع حجم العرش الذي استوى عليه الرحمن سبحانه وتعالى فقال عز من قائل: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦)} (المؤمنون: ٨٦)، والقائل سبحانه:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}(النمل: ٢٦).
٦ - ولقد أشارت بعض الأحاديث النبوية الشريفة إلى الضخامة البالغة لهذا الكون الذي نعيش فيه ممَّا جعل بعض الناس يشكك في صحة هذه الأحاديث بسبب المبالغة التي ذكرتها لأبعاد هذا الكون، ففي أحد هذه الأحاديث ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أبعاد السماء الدنيا بما تحويه من آلاف البلايين من المجرات والتي يحوي كل منها على مئات البلايين من النجوم بالنسبة لأبعاد السماء الثانية كأبعاد الحلقة (الخاتم) إلى أبعاد الفلاة؛ والفلاة هي الصحراء الواسعة، وكذلك هو حال السماء الثانية مع الثالثة. . .، وهكذا مع بقية السموات إلى أن ننتهي إلى العرش، ولقد تبين لنا بعد الاكتشاف العلمية الحديثة في مجال الفلك أنه لا يوجد أيُّ مبالغة في الصورة التي حاولت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أن تعطيها لحجم هذا الكون، بل إن أسلوب القرآن الكريم كان في غاية الذكاء عندما حاول أن يبين للناس المسافات الشاسعة التي تفصل ما بين النجوم، وذلك من خلال القسم بمواقعها؛ ومن ثم أشار إلى أن هذا القسم عظيم لو أن الناس تمكنوا من معرفة مقدار هذه المسافات فقال عز من قائل: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)} (الواقعة: ٧٥ - ٧٦)(١).
إذن فما المقصود باليومين الذين خلق اللَّه فيهما الأرض؟
وعلى ضوء هذه الحقائق العلمية يمكن لنا الآن أن نفهم ما المقصود باليومين الذين خلق اللَّه فيهما الأرض كما جاء في قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي
(١) (بداية الخلق في القرآن الكريم) لد/ منصور العبادي، وانظر (الكون) تأليف كارل ساغان.