للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كانت الهند البرهمية، والصين، والجرمان، وبرابرة أوروبة، لا يملِّكون المرأة ولا يورِّثونها. وجرت اليونان على منوالهم، فلم تورِّث البنات إلا عندما لا يوجد ذكور. أما الشريعة الرومانية فقد اختلفت معاملتها للمرأة كما قلنا ما بين مدٍّ وجزرٍ. بل بقيت هذه النظرة إلى المرأة مهيمنة حتى على كثير من المدنيات الحديثة إلى عهد قريب.

أما الإسلام الذي هو امتداد للرسالات السماوية السابقة، فقد جاء مؤكدًا استقلالية المرأة عن الرجل في حقوقها المدنية المختلفة، معلنًا عن حريتها التامة في التصرف بأموالها دون وصاية من أحد عليها ما دامت رشيدة متحررة عن عوامل الحجر والوصاية، بل معلنًا عن تمتعها بكل ما يتمتع به الرجل من حقوق معنوية كحق الإجارة والضَّمان ونحوهما (١).

[٥ - التساوي في حق الحياة]

وصف القرآن الكريم حال الرجل في الجاهلية عندما كانت تلد زوجه "أنثى" حيث يقول: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩)} (النحل: ٥٨، ٥٩).

وقد دُفنت قبل الإسلام في رمال صحراء شبه الجزيرة العربية من الإناث ما لا يعلم عددهن إلا اللَّه تعالى، حيث كان الأب الجاهلي يرى الأنثى تأكل ولا تقاتل عن القبيلة، ويراها مصدرًا لجلب العار له حين تؤسر من العدو فيفترشها آسِرُها عَنْوَة واقتدارًا أو طواعية واختيارًا، فيعير الأب وقبيلته بها.

وحين أتى الإسلام ونزل قوله تعالى - مستنكرًا فعْل الجاهلية الشنيع: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (التكوير: ٨، ٩) أدرك الذين هداهم اللَّه إلى نور الإسلام كم كانوا ظالمين لبناتهم.

وقد نزل القرآن الكريم مشددًا النهي عن قتل الأولاد حيث قال تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (الأنعام: ١٥١)، وقال تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا


(١) المرأة بين طغيان النظام الغربي، ولطائف التشريع الرباني ٤٩ - ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>