{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(الأحزاب: ٤٠)، وسيأتي مزيد لذكر حكم هذا الزواج فيما يأتي إن شاء اللَّه. اهـ.
ثالثًا: الحكمة الاجتماعية.
أما الحكمة الثالثة فهي الحكمة الاجتماعية، وهي تظهر بوضوح في تزوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بابنة الصديق الأكبر أبي بكر -رضي اللَّه عنه- ووزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني عمر -رضي اللَّه عنه- وأرضاه، ثم باتصال -صلى اللَّه عليه وسلم- بقريش اتصال مصاهرة ونسب وتزوجه العديد منهن مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق، وجعل القلوب تلتف حوله وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال، لقد تزوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسيدة عائشة بنت أحب الناس إليه وأعظمهم قدرًا لديه الذي كان أسبق الناس إلى الإسلام وقدم نفسه وروحه وماله في سبيل نصرة هذا الدين والذود عن رسوله وتحمل ضروب الأذى في سبيل اللَّه؛ حتى قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافيه اللَّه تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألا وإن صاحبكم خليل اللَّه". (١)
فلم يجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكافأة لأبي بكر في الدنيا أعظم من أن يقر عينه بهذا الزواج بابنته ويصبح بينهما قرابة ومصاهرة تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق.
رابعًا: الحكمة السياسية.
لقد تزوج -صلى اللَّه عليه وسلم- ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته، ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك أثناء الكلام على المحور الثاني؛ وهو الإشارة إلى قصة زواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكل واحدة منهن على حدة ليظهر ما فيها من الروعة والجمال الأخلاقي.
(١) الترمذي في سننه (٣٦٦١) المناقب، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢٨٩٤).