للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين، رعيتك وولايتك وأهل طاعتك، إن تعاقبهم فقد جنوا لأنفسهم العقوبة، وإن تعفو فإن العفو أقرب للتقوى، يا أمير المؤمنين، لا تطع فينا من كان غشومًا ظلومًا، بالليل نؤومًا، عن عمل الآخرة سؤومًا، يا أمير المؤمنين، إن الدنيا قد انخشعت أوتارها، ومالت بها عمادها وأحبها أصحابها، واقترب منها ميعادها. ثم جلس فقلت -القائل هو: إسماعيل بن عياش- لشرحبيل: فكيف صنع؟ قال: قتل بعضًا واستحيى بعضًا، وكان فيمن قتل حجر بن عدي بن الأدبر (١).

[الوجه الخامس: أن معاوية خاف من تفريق جماعة المسلمين.]

وقد علق ابن العربي على مقتل حجر بن عدي -رضي الله عنه- فقال: وأراد أن يقيم الخلق للفتنة، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فسادًا، وقد اعتمد معاوية -رضي الله عنه- في قضائه على قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أتاكم وأمركم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ يريد أن يَشُقَّ عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه ستكون هَنَاتٌ، وهَنَاتٌ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة، وهي جميعٌ، فاضربوه بالسيف كائنًا من كان" ومما يجدر التذكير به في هذا المقام أن معاوية -رضي الله عنه- لم يكن ليقضي بقتل حجر بن عدي -رضي الله عنه- لو أن حجرًا اقتصر في معارضته على الأقوال فقط ولم ينتقل إلى الأفعال.

[الوجه السادس: وقفة هامة حول مواقف أهل العراق، ومعرفة الحسن لذلك، وبهذه المعرفة نجاه الله منهم.]

عن يزيد بن الأصم، قال: خرجتُ مع الحسن -يعني ابن علي رضي الله عنهما- وجاريةٌ تحتُّ شيئًا من الحِنَّاءِ عن أظفاره، فجاءتْهُ إِضْبارَةٌ من كُتُبٍ، فقال: يا جاريةُ هاتي المِخْضَب، فصبَّ عليه ماءً، وألقى الكُتُب في الماء، فلم يفتح منها شيئًا، ولم ينظر إليه، فقلتُ يا أبا محمد! ممن هذه الكُتُب؟ قال: من أهل العراق، من قوم لا يرجعون إلى حقٍّ، ولا يقصرون عن باطل، أما إني لستُ أخشاهم على نفسي، ولكني أخشاهم على ذلك. وأشار إلى الحسين. (٢)


(١) انظر: الرواية في مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (٢/ ٣٢٨ - ٣٣١).
(٢) حسن. أخرجه الطبراني في العجم الكبير (٢٦٩١) عن ابن عُيينة، عن عُبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن عنه يزيد بن الأصم به. وسنده جيد على شرط مسلم، وقال الهيثمي في المجمع (٦/ ٢٤٣): ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن الحكم بن أبي زياد، وهو ثقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>