للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: وقوله عن المسيح: وروح منه خص المسيح بذلك؛ لأنه نفخ في أمه من الروح فحبلت به من ذلك النفخ، وذلك غير روحه التي يشاركه فيها سائر البشر، فامتاز بأن حبلت به من نفخ الروح فلهذا سمى روحًا منه (١).

[الوجه السابع: بيان معنى قوله: (منه) وأن الإضافة للتشريف وليست للتبعيض.]

أولًا: المعنى لقوله روح منه.

أي كائنة منه بتخليقه وتكوينه، كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)} [الجاثية: ١٣] (٢).

ثانيًا: هذه الإضافة للتشريف.

قال ابن كثير: وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله، في قوله: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} [هود: ٦٤]، وفي قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: ٢٦] (٣).

ثالثًا: (من) لابتداء الغاية وليست للتبعيض.

أما قوله تعالى: {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} فلفظة (مِنْ) ليست للتبعيض ههنا؛ إذ لو كان كذلك لكان الله تعالى متجزئًا متبعضًا متحملًا للاجتماع والافتراق، وكل من كان كذلك فهو محدث وتعالى الله عنه؛ بل المراد من كلمة (مِنْ) ههنا ابتداء الغاية، وذلك لأن في حق عيسى - عليه السلام - لما لم تكن واسطة الأب موجودة صار تأثير كلمة الله تعالى في تكوينه وتخليقه أكمل وأظهر فكان كونه كلمة (الله) مبدأ لظهوره ولحدوثه أكمل فكان المعنى لفظ ما ذكرناه لا ما يتوهمه النصارى من الحلولية.

وقد ذكر أن طبيبًا نصرانيًا حاذقًا للرشيد ناظر علي بن الحسين الواقدي المروزي ذات


(١) الجواب الصحيح (٤/ ٧١).
(٢) القرطبي في التفسير (٦/ ٢٦)، النسفي في التفسير (١/ ٢٦٥).
(٣) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٨٩)، زاد المسير (٢/ ٢٦١)، الرازي في التفسير (١١/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>