للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم فقال له: إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى - عليه السلام - جزء منه تعالى؛ وتلى هذه الآية، فقرأ الواقدي قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣] فقال: إذن يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءًا منه سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا فانقطع النصراني فأسلم، وفرح الرشيد فرحًا شديدًا، ووصل الواقدي بصلة فاخرة (١).

وعلى هذا يكون معنى الآية:

{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} أي: إنما هو عبد من عباد الله وخَلقٌ من خلقه، قال له: كن فكان، ورسول من رسله، وكلمته ألقاها إلى مريم؛ أي: خَلقَه بالكلمة التي أرسل بها جبريل - عليه السلام - إلى مريم، فنفخ فيها من روحه بإذن ربه - عز وجل - فكان عيسى بإذن الله - عز وجل - وصارت تلك النفخة التي نفخها في جَيْب درعها، فنزلت حتى وَلجَت فرجها بمنزلة لقاح الأبِ الأمَّ، والجميع مخلوق لله - عز وجل -، ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله وروح منه؛ لأنه لم يكن له أب تولَّد منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها: كن فكان. والروح التي أرسل بها جبريل؛ قال الله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: ٧٥]، وقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)} [آل عمران: ٥٩] وقال تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (٩١)} [الأنبياء: ٩١] وقال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (١٢)} [التحريم: ١٢] وقال تعالى إخبارًا عن المسيح: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)} [الزخرف: ٥٩] (٢).


(١) الرازي في التفسير (٨/ ٤٩)، البحر المحيط (٣/ ٤١٧).
(٢) ابن كثير في التفسير (٤/ ٣٨٨ - ٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>