للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بالوجوب الثبوت إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله والعقاب عدله لا يُسأل عما يفعل، وفي رواية مسلم "من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة"، وهو أبين في العموم من رواية آدم عليه السلام وفيه رد على من زعم أن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب أطْلَع الله نبيه عليه؛ وإنما هو خبر عن حكم أعلمه الله به.

قوله: "أنتم شهداء الله في الأرض" أي: المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان.

[الوجه الثاني: الشهادة المقبولة من الناس على الميت خاصة بالثقات المتقين فقط.]

قال ابن حجر: حكي ابن التين: أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم. قال: والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين. (١)

قال ابن عبد البر: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم لا يثنون على أحد إلا بالصدق، ولا يمدحون إلا بالحق لا لشيء من أعراض الدنيا: لشهوة أو عصبية أو تقية ومن كان ثناؤه هكذا يصح فيه هذا الحديث وما كان مثله. والله أعلم. (٢)

[الوجه الثالث: لا بد أن يكون لثناء الأمة على أمواتها فائدة، وثناء الأمة إلهام من الله.]

قال ابن حجر: ونقل الطيبي عن بعض شراح المصابيح قال: ليس معنى قوله: "أنتم شهداء الله في الأرض" أن الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك حتى يصير من يستحق الجنة من أهل النار بقولهم ولا العكس، بل معناه أن الذي اثنوا عليه خيرًا رأوه منه؛ كان ذلك علامة كونه من أهل الجنة وبالعكس، وتعقبه الطيبي بأن قوله: "وجبت" بعد الثناء، حكم عقب وصفًا مناسبًا فأشعر بالعلية، وكذا قوله: "أنتم شهداء الله في الأرض" لأن الإضافة فيه للتشريف لأنهم بمنزلة عالية عند الله، فهو كالتزكية للأمة بعد أداء شهادتهم؛ فينبغي أن يكون لها أثر، قال: وإلى هذا يومئ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ


(١) فتح الباري لابن حجر ٣/ ٢٦١ بتصرف يسير.
(٢) الاستذكار لابن عبد البر ٨/ ٢٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>