للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنت أبي جهل، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسمعته حين تشهد يقول: "أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، واللَّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه وبنت عدو اللَّه عند رجل واحد فترك علي الخطبة". (١)

وفي رواية: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني". (٢)

فظهر أن مناسبة الحديث هي خطبة علي -رضي اللَّه عنه- لابنة أبي جهل وغضب فاطمة من ذلك، والنص العام يتناول محل السبب، وهو نص فيه باتفاق العلماء، حتى قالوا لا يجوز إخراج السبب بدليل تخصيص، لأن دلالة العام على سببه قطعية وعلى غيره على وجه الظهور (٣)، وعلى هذا فلو كان هذا الحديث متنزلًا على كل من أغضب فاطمة لكان أول الناس دخولًا في ذلك عليّ -رضي اللَّه عنه-.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن رده على الرافضة في هذه المسألة وبعد أن ذكر الحديث: فسبب الحديث خطبة علي -رضي اللَّه عنه- لابنة أبي جهل والسبب داخل في اللفظ قطعًا، إذ اللفظ الوارد على سبب لا يجوز إخراج سببه منه، بل السبب يجب دخوله بالاتفاق.

وقد قال في الحديث: "يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها"، ومعلوم قطعًا أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رابه ذلك وآذاه، فإن كان هذا وعيدًا لاحقًا بفاعله لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب، وإن لم يكن وعيدًا لاحقًا بفاعله، كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي. (٤)

الوجه السادس: أن فاطمة -رضي اللَّه عنها- كانت قد رجعت عن قولها في المطالبة بإرث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة في الحديث والسير. قال القاضي عياض: وفي ترك فاطمة منازعة أبي بكر بعد احتجاجه عليها بالحديث: التسليم للإجماع على قضية،


(١) البخاري (٣٧٢٩)، ومسلم (٢٤٤٩).
(٢) البخاري (٣٧١٤).
(٣) انظر: المسودة في أصول الفقه للأئمة الثلاثة من آل تيمية: شيخ الإسلام وأبيه شهاب الدين وجده أبي البركات (١١٩)، وتخريج الفروع على الأصول للزنجاني (٣٦٠).
(٤) منهاج السنة (٤/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>