للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باستغفار المؤمنين الكائنين بين أظهرهم، وقوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي: بعد خروج المؤمنين الذين كان استغفارهم سببًا لدفع العذاب الدنيوي، فبعد خروجهم عذّب الله أهل مكة في الدنيا بأن سلط عليهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح مكة، ويدل لكونه تعالى يدفع العذاب الدنيوي عن الكفار بسبب وجود المسلمين بين أظهرهم ما وقع في صلح الحديبية كما بينه تعالى بقوله: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} فقوله: {لَوْ تَزَيَّلُوا} أي: لو تزيل الكفار من المسلمين لعذبنا الكفار بتسليط المسلمين عليهم، ولكنا رفعنا عن الكفار هذا العذاب الدنيوي لعدم تميزهم من المؤمنين، كما بينه بقوله: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ}، ونقل ابن جرير هذا القول عن ابن عباس والضحاك وأبي مالك وابن أبزي، وحاصل هذا القول أن كفار مكة لما قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} أنزل الله قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}، ثم لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقيت طائفة من المسلمين بمكة أنزل الله قوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي: أي شيء ثبت لهم يدفع عنهم عذاب الله، وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون من بين أظهرهم فالآية على هذا كقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (١).

الوجه الثالث: أن المراد بقوله {يَسْتَغْفِرُونَ} أي: المشركين.

فيكون أن الله تعالى يرد عنهم العذاب الدنيوي بسبب استغفارهم، أما عذاب الآخرة فهو واقع بهم لا محالة، فقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} أي: في الدنيا في حالة استغفارهم، وقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي: في الآخرة وقد كانوا كفارًا في الدنيا (٢).


(١) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشنقيطي (١٠٥، ١٠٦).
(٢) المصدر السابق (١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>