للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سجود إلا بعد قيام. وفي ذلك - أيضًا - رَدّ على من لا يحجه من أهل الكتابين: اليهود والنصارى؛ لأنهم يعتقدون فضيلة إبراهيم الخليل وعظمته، ويعلمون أنه بنى هذا البيت للطواف في الحج والعمرة وغير ذلك وللاعتكاف والصلاة عنده وهم لا يفعلون شيئًا من ذلك، فكيف يكونون مقتدين بالخليل، وهم لا يفعلون ما شرع الله له؟ وقد حَجَّ البيتَ موسى بن عمران وغيره من الأنبياء عليهم السلام، كما أخبر بذلك المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٤]. (١)

وجملة القول أن مناسك الحج من شريعة إبراهيم وقد أبطل الإسلام كل ما ابتدعته الجاهلية فيها من وثنيتها وقبيح عملها كطوافهم بالبيت عراة وغير ذلك مما سنبينه. ومبنى العبادات على الاتباع لا على الرأي.

[الوجه السابع: مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمور الجاهلية في بعض أعمال الحج يدل على أن أعمال الحج محض عبادة.]

لقد كانت مواقف الجاهلية في الحج مواقف مخزية، إنما هي خليط ممزوج من الأضداد والمتناقضات. . يظهر ذلك جليًا في بعض المواقف المنكرة. والتي خالفها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها:

التلبية: فكانت تلبيتهم في الحج التي يخلطون معها الشرك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكهُ وما لك.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك قال فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ويلكم قدٍ قدٍ، فيقولون إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت. (٢)

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ" (٣).


(١) تفسير ابن كثير ٢/ ٦٩.
(٢) أخرجه مسلم (١١٨٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٥٤٩)، مسلم (١١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>